من باب [إياك أعنى واسمعي يا جارة] ففي الظاهر خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وفي الواقع هو لأمته. وفي ذلك تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وتطمين لخاطره.
إنما يؤخر هؤلاء الكفار وعذابهم ليوم القيامة تشخص فيه الأبصار ، وترتفع إلى السماء من شدة ذهولهم ، واضطراب نفوسهم.
مهطعين إلى الداعي ومسرعين نحوه ، مقنعي رءوسهم ورافعيها مع دوام النظر من غير التفات إلى شيء أبدا ، وكيف لا؟ وهو يوم الذهول ويوم الصاعقة والحاقة والصاخة ، ويوم الفزع الأكبر لمن لم يعمل له ، مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم ولا يطرفون أبدا من شدة الهول ، وسوء الفزع ، وأفئدتهم مضطربة متحركة كالهواء المتحرك ؛ وهذا حالهم يوم الفزع الأكبر؟
وأنذر الناس جميعا يوم يأتيهم العذاب فيقول الظالمون هلعا وجزعا : ربنا أرجعنا إلى الدنيا وأعطنا مهلة قليلة نجب فيها دعوتك إلى التوحيد ، وإخلاص العبادة لك ، ونطيع فيها الرسل. ثم انظر إلى الرد عليهم.
أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال أبدا!!؟ يقال لهم توبيخا : ألم تقسموا في الدنيا أنكم إذا متم فلا بعث ولا حساب؟!! ولا زوال ولا انتقال لحياة أخرى! (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [سورة النحل آية ٣٨].
وقد سكنتم في مساكن الظالمين لأنفسهم ، وعرفتم مآلهم وعاقبتهم. وتبين لكم كيف فعلنا بهم حينما كفروا وعصوا الرسل ، وضربنا لكم الأمثال ، ولكنكم لم تعتبروا ولم تتعظوا ..
وها هي ذي حالكم الآن تتغير عن حالهم ، وقد مكروا مكرهم جهد طاقتهم ، وعند الله مكرهم لا محالة فكل شيء مكتوب ومسجل عليهم وسيحاسبهم الحساب الشديد. وما كان مكرهم لتزول منه الآيات الرواسخ بل هي كالجبال الشم ، وكيف يتم لهم ما أرادوا ، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
وإذا كان الأمر كذلك فلا تحسبن الله مخلف وعده لرسله حيث يقول (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) والله لا يخلف الميعاد أصلا مع الكل فكيف يخلف وعده مع رسله وأحبابه؟ إن الله عزيز لا يغلب ذو انتقام ، وهذا تذييل للآية