نعم كثيرا ما يودون لو كانوا مسلمين حينما يرون العذاب يصب عليهم صبّا والمسلمون في جنات النعيم ، وقيل إنهم يودون ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب ، ولفظ ربنا يستعمل للتكثير والتعليل ، وأما أنت يا محمد : فدعهم ، ولا يهمنك أمرهم فهم لا يرعوون ، ذرهم يأكلوا كما تأكل الأنعام ويتمتعوا بالعرض الزائل والمتاع الفاني ، ويلههم الأمل وتغرهم الأمانى ، فسوف يعلمون عاقبة عملهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وفي قول القرآن الكريم لهم على لسان الرسول : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) منتهى التهديد والذم لهم ، وتصوير بارع لما انطوت عليه نفوسهم وإن من يعرف مقدار ألم الزبرقان بن بدر ـ رضي الله عنه ـ حينما هجاه الخطيئة بقوله :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى |
وشهادة حسان بن ثابت بأن الشاعر ساح عليه أى عابه عيبا فظيعا يدرك مقدار ذم القرآن لهم وأنهم يستحقون ذلك.
ولله سنة لا تتخلف مع الأمم : وهي أنه لا يهلك قرية من القرى أبدا إلا في حال أن لها كتابا معلوما وأجلا محدودا. لا تسبق أجلها عنه (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ). (ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) [سورة الرعد آية ٣٨].
ولقد قالوا مقالتين جانبوا فيهما الصواب. وافتروا الباطل الصريح ورد القرآن الكريم عليهما :
قالوا : يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون. وفي قولهم للنبي وندائهم له ـ بالذي نزل عليه الذكر ـ استهزاء وأى استهزاء؟! ومعنى قولهم هذا : إنك لتقول قول المجانين حين تدعى أن الله أنزل عليك الذكر هي المقالة الأولى ..
وأما الثانية فهي : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) على معنى تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك في قولك (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [سورة الفرقان آية ٧]. وبعضهم يرى أن المعنى : هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا إن كنت صادقا في دعواك (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [سورة الأنفال آية ٣٢].