(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [سورة الجن الآيتان ٨ و ٩].
وهذا يبين لنا معنى قوله تعالى هنا : (وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) : على معنى حفظنا السماء من الشياطين بمنعهم من الصعود إليها إلا من استرق السمع فحفظناها منهم بأن أعددنا لهم شهابا رصدا ليصيبه ، وقيل المعنى : وحفظناها من كل شيطان رجيم ولكن من استرق السمع أعددنا له وهيأنا له شهابا رصدا ، وهم يسترقون غير الوحى من الأخبار أما الوحى فهم ممنوعون منه دائما لقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ. ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ. وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) وإذا استرق الشيطان وتسمع شيئا ليس بوحي قيل : إنه يقذفه بسرعة إلى الكهنة بواسطة أعوانه ثم تتبعهم الشهب فتقتلهم أو تصيبهم بسوء فقط وهذا رأى بعيد ، والصحيح أن الشهاب يقتلهم قبل إلقائهم الخبر فلا تصل أخبار السماء إلى الأرض أبدا إلا عن طريق الأنبياء والوحى ، ولذلك انقطعت الكهانة ببعثة النبي صلىاللهعليهوسلم : (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) وهذا هو الرأى الذي أميل إليه.
هذه نظرة إلى السماء وما فيها بالإجمال ، ثم بعد ذلك تعرض القرآن إلى الأرض التي تقلهم : فقال : والأرض مددناها وفرشناها ، وجعلناها ممهدة صالحة للسكنى والمعيشة عليها ، وألقى الله فيها رواسى من الجبال شامخات حتى لا تميد بكم ولا تضطرب ، وهي دائرة في مدارها حول الشمس وحول نفسها وليس في الآية دليل على أن الأرض ليست كروية بل هو الدليل القوى على كمال قدرة الله وتمام عظمته إذ كل منا يراها منبسطة رغم تكويرها ، ثابتة رغم تحركها.
يا سبحان الله ، لقد ثبت بما لا يقبل الشك أن الأرض كروية ومع هذا فالذي في القطب الشمالي وأخوه الذي في القطب الجنوبي كل منهما يرى أرضه منبسطة ممهدة وهي تقله وله سماء تظلله والماء حوله ساكن ثابت فسبحانه وتعالى قادر حكيم!!!
والأرض فرشناها فنعم الماهدون ، وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها كل شيء من النبات موزون بميزان الحكمة والتقدير ، ليس في الأرض على سعتها نبات ليس له وزن وفائدة ، بل كل شيء لحكمة ومصلحة قد تخفى على الكثير منا ، والطب الحديث يكشف لنا