للناس الذي اختلفوا فيه من العقائد والعبادات ، والناس كما قلنا بين داعيين : داعي البشرية المادية التي هي ارتكاز الشيطان ، وداعي الروح الطيبة التي هي من الله ، وجاءت الرسل تحكم بين الداعيين وفيما اختلفوا فيه من الاتجاهات ، وما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى للناس ورحمة لقوم يؤمنون ، أليس القرآن وبيانه للمختلف فيه وهدايته ورحمته من أجلّ النعم؟! ، ثم عاد الكلام إلى بيان نعم الله علينا المادية بعد بيان أكبر نعمة في الوجود لأنها تتعلق بالهداية والإرشاد وسلوك الطريق الحق.
والله ـ سبحانه ـ أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ، ألم تر إلى الأرض وهي هامدة فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وتفاعلت مع البذور وربت وانتفخت وأنبتت من كل زوج بهيج ، ذلك النبات الأخضر ، اليانع الذي يخرج من تراب فيه ماء ، فبدل العفونة التي تنشأ من وضع شيء غريب في الأرض المبتلة يخرج نبات بهجة للناظرين ، إن في ذلك لآية لقوم يسمعون كلام الله ويتدبرون معناه.
نعم وإن لكم في الأنعام لعبرة وعظة ، ودلالة على قدرة الله ووحدانيته وعظمته ، وقال أبو بكر الوراق : العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم ، وتمردك على ربك ، وخلافك له في كل شيء ، ومن أعظم العبر برىء يحمل مذنبا.
وإن لكم يا بنى آدم في الأنعام لعبرة وعظة حيث نسقيكم مما في بطونه لبنا خالصا من كل شيء يكدر صفوه سائغا للشاربين لذيذا وهنيئا ، لا يغص به شاربه ، فيه الغذاء الكامل الذي يكفى عن كل طعام وشراب ، ويكفى أنه يغذى الطفل مدة من الزمن فلا يحتاج لغيره واللبن من بين الأطعمة قد أظهر النبي صلىاللهعليهوسلم مكانته بقوله إذا أكل غيره ولو لحما «اللهم بارك لنا فيه وزدنا خيرا منه ، وإذا أكل اللبن قال : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه» والطب الحديث يعرف مقدار اللبن ويفسر لنا كلام النبي صلىاللهعليهوسلم تفسيرا عمليا.
هذا اللبن خرج من بين فرث ودم ، يا سبحان الله! إنه من غذاء الحيوان ، والغذاء تتحول عصارته إلى فرث ، وإلى دم وإلى لبن بواسطة شعيرات دقيقة حول أنسجه الجهاز لهضمه يا سبحان الله!! أنت القدير الحكيم ، ومن الذي علم هذا الرجل الأمى الذي نشأ في بيئة أمية جاهلة لم تعرف شيئا أبدا؟!! إنه الله الذي أنزل عليه القرآن كتابا أحكمت آياته.