هذا بيان عملي ، وتفسير لقوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ولا شك أن العدل والإحسان ـ بالمعنى العام ـ ووحدة القلوب بإعطاء ذي القربى ، والبعد عن الفحشاء والمنكر من جميع الأفراد ، والتباعد عن البغي والظلم ، والوفاء بالعهد ، وعدم نقض المعاهدات كل ذلك : دعائم لإخراج مجتمع إسلامى نظيف ، مجتمع قوى عزيز ، مجتمع كان أمل الفلاسفة والمصلحين ، وفي هذا رد على من يفهم الدين على أنه عبادة فقط أنه دين لا دولة أو أنه لا يصلح لكل زمان ..
المعنى :
إن الله يأمر فيما أنزله عليك يا محمد بالعدل والإنصاف والتوسط بلا إفراط ولا تفريط ، أليست كلمة العدل مع وجازتها قد جمعت كل حق وعدل وفضل وواجب في الدين والدنيا.
ويأمر بالإحسان والإتمام والكمال ، وعبادة الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .. يا سبحان الله تربية إلهية ، وتأديب رباني وغرس المراقبة لله في القلوب ، وهذا خير للناس عظيم.
وبإيتاء ذي القرى ... والعطاء مطلقا شيء ندبه الدين وحببه إلينا خصوصا مع الأقارب فهو يثل السخائم ، ويجمع القلوب ، وينزع الضغائن ويظهرنا صفا واحدا كالبنيان المرصوص ، والقريب له أمل خاص فإن لم تعطه مع حاجته كان شرا عليك.
وينهى عن الفحشاء ، والفحش كل ما فيه تجاوز لحدود الله المحدودة ومعالمه المرسومة فمن تجاوزها هلك ، وباء بالخسران المبين.
أما المنكر فهو ما أنكره العقل السليم والطبع المستقيم والدين الحنيف فكيف تأتيه ، وفيه بلاء عظيم وخطر جسيم؟! يعظكم ربكم بهذا رجاء أن تتذكروا وتثوبوا إلى رشدكم ، وترجعوا عن غيكم. إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون.
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ، وعهد الله عام شامل جامع لكل عهد بينك وبين ربك أو بينك وبين نفسك أو بينك وبين غيرك