ذاقوا شيئا من حلاوة الإيمان ثم رجعوا إلى خبث الشرك وسوء الردة أولئك البعيدون في درجات الضلال الذين طبع الله على قلوبهم وختم عليها فلم يهتدوا إلى نور ولا إلى يقين ، وطبع على سمعهم وعلى أبصارهم فلم يدركوا شيئا من الخير والنور الإلهى ، إذ لا شك أن من يؤثر العاجلة على الفانية رجل لا قلب له ولا عقل ، وأولئك هم الغافلون عن مصلحتهم الحقيقية الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، حقا لا شك فيه أنهم في الآخرة هم الخاسرون خسارة كاملة وافية.
روى عن ابن عباس قال : أخذ المشركون عمارا وأباه ياسرا ، وأمه سمية وصهيبا وبلالا. وخبابا وسالما ، فعذبوهم ، وربطوا سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحرية وقيل لها : إنك أسلمت من أجل الرجال (وفي رواية إن الذي قال لها وفعل بها هو أبو جهل) وقتلت سمية بسبب ذلك ، وقتل زوجها ياسر فكانا أول قتيلين في الإسلام ومن أجله ، وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها فشكا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له الرسول صلىاللهعليهوسلم : «كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فإن عادوا فعد» ومن هنا قال القرطبي في تفسيره : «أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فإنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بكفر» وفي الحديث «رفع عن أمّتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وللفقهاء في حكم المكره أقوال وتفصيلات يحسن الرجوع إليها في كتب الفقه.
ثم إن ربك للذين هاجروا وجاهدوا وصبروا أى : لهم بالمعونة والنصر والتأييد من بعد ما فتنوا وعذبوا ثم جاهدوا وصبروا بعد ذلك إن ربك من بعدها لغفور رحيم. والمعنى في الآية أن من يفتن في دينه فيتكلم بكلمة الكفر مكرها ، وصدره غير منشرح للكفر إذا صلح عمله وجاهد في سبيل الله وصبر على المكاره فالله غفور رحيم به ، وثم التي في الآية لبيان بعد مرتبة من فتن في دينه وصبر ولم ينطق بالكفر عن مرتبة من فتن وكفر مكرها.
واذكر يوم تأتى كل نفس وذات تجادل عن نفسها ، وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون وهذا وصف جامع ليوم القيامة.