المعنى :
هذا قبس من نور الذكر الحكيم. يرسل فيملأ القلوب إيمانا واعترافا بأن ذلك القرآن من عند الله لا من عند محمد.
نعم ذلك بعض ما أوحى إلى ذلك النبي من الحكمة والموعظة الحسنة. وهذه الآيات تدلنا على أن محمد بن عبد الله ذلك الإنسان الذي نشأ في بيئة جاهلية بكل معاني الكلمة ، بيئة ، كل همها فتك وقتل وتخريب وإغارة وزنا وخمر ، ووأد البنات مخافة الفقر أو العار لا يمكن أن يكون من عنده هذا النور ، وهذا السمو في الخلق إذ فاقد الشيء لا يعطيه.
أهذه البيئة تخرج مثل ذلك النبي الذي يدعو في هذه الآيات إلى كل خير وبر ، وينهى عن كل إثم وشر؟!! (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) ولكنها المعجزة الباقية على أن هذا القرآن من عند الله لا من محمد وإلا فمن علمه ذلك؟ ومن عرفه الأسس والدعائم التي تبنى مجتمعا صالحا طيبا ، فلو اجتمع فلاسفة الأخلاق في القرن العشرين ليبنوا مجتمعا صالحا أتراهم يوصون بهذه الدعائم؟!!
هذه الآيات بدئت بالنهى عن الشرك ثم بالأمر بالإحسان إلى الوالدين إلى آخر ما فيها من معان سامية ثم اختتمت كذلك بإثبات أن ذلك وحى من عند الله بالنهى عن الشرك ، وبيان الجور في حكمهم أن لله البنات ولهم البنين ، وفي النهاية الكلام على القرآن الكريم.
وهذا النسق القرآنى يرشدنا إلى خطر الشرك بالله وأن هذه الأوامر والنواهي مما يتطلبه الدين ويحث عليه ، وتبين لنا أن القرآن الكريم قد صرفه الله على أحسن وجه وأكمله ليذكروا ، ولكن ما يزيدهم ذلك إلا نفورا واستكبارا.
والمناسبة بين هذه الآيات والتي قبلها ظاهرة حيث تكلم القرآن على من أراد الآخرة وسعى لها سعيا وهو مؤمن ، ثم أردف ذلك ببيان السعى الموصل للآخرة بالتفصيل ، مع الكلام على الشرك المحبط للأعمال ، وهاكم الآيات بالتفصيل.