أنكر القرآن الكريم في الآية السابقة على المشركين تعجبهم من إيحاء الله إلى رجل منهم ينذر الكافر بالعقاب ، ويبشر المؤمن بالثواب ، وفي تعجبهم إنكار له وكفر به وقد قالوا : إنه ساحر مبين ، فيرد الله عليهم بهذه الآية.
للدين الإسلامى أصلان مهمان : أولهما : التوحيد الخالص لله في العبادة والدعاء ، وثانيهما : إثبات البعث والجزاء.
وها هي الآية لإثبات الأصل الثاني بعد أن تكلم القرآن على الأول.
هذا بيان لبعض نواحي الإجمال في الآية الثالثة من هذه السورة : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ). لتوضيح الدلالة على كمال قدرته وأنه الواحد الأحد المعبود بحق ..
المعنى :
إن ربكم هو الله لا إله غيره ، الذي خلق العالم السماوي وما فيه ، مما لا يعلمه إلا هو ، وخلق العالم الأرضى ، ولا يعلم ذراته إلا هو ، خلق كل ذلك في ستة أيام لا يعلم تحديد زمنها إلا هو [اليوم يطلق في اللغة على جزء من الزمن].
ثم استوى على عرشه استواء يليق بعظمة هذا الملك وصاحبه ، استواء لا يعلمه إلا هو وعرشه كرسيه أو مركز تدبيره ، وفي الحقيقة لا يعلم كنهه إلا هو ـ سبحانه وتعالى ثم استوى على عرشه يدبر أمر ملكوته بما يتناسب مع جلاله ، وكماله وعمله وحكمته ، والتدبير والنظر في أدبار الأمور وعواقبها وما تنتهي إليه.
ووجه الرد بهذه الآية على منكري النبوة ، أن الله ـ سبحانه ـ خالق الأكوان ، وفاطر السموات والأرض على هذا النظام البديع المحكم ، المستوي على عرشه المدبر لأمر ملكوته وحده دون سواه ، لا يستبعد منه أن يفيض بما شاء من علمه على البشر من خلقه ليهدى الناس إلى سواء السبيل ، ويرشد الضال إلى الصراط المستقيم ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، فإن ذلك كله مظهر من مظاهر قدرته وتدبيره وحكمته. فيجب الإيمان بهذا الوحى وتصديق صاحبه ، والإيمان بكل ما جاء به ، ليس هناك شفيع يشفع يوم القيامة إلا من بعد إذنه ، ولا يشفع إلا لمن ارتضى (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ