واشتعل الرأس منى شيبا بمعنى اضطرم المشيب في سواد رأسى ، وانتشر بياض الشعر في سواده كما ينتشر شعاع النار في الهشيم فيضطرم لهيبا ، وهذا التركيب فيه استعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها ، ولم أكن بدعائك يا ربي شقيا وخائبا في وقت من الأوقات بل كلما دعوتك استجبت لي ، وهذا من أكبر النعم عليه.
نرى زكريا ـ عليهالسلام ـ جمع في دعائه بين إظهار الخضوع والذلة والضعف ثم ذكر النعم عليه من ربه فيستحب لمن يدعو أن يفعل مثله.
وإنى خفت الموالي من ورائي خفت على عصبتي وأبناء عمى من أن يضيعوا الدين فطلبت ولدا يقوم عليه ويحرسه ، ولا يعقل أنه خاف منهم أن يرثوه فهذا حال لا يليق بأمثاله.
وكانت امرأته ـ أخت حنة أم مريم ـ عاقرا لا تلد وإذا كان الأمر كذلك فهب لي من لدنك وليا يرثني ، ويرث من آل يعقوب النبوة والعلم والمحافظة على الدين والدعوة إليه ، واجعله يا رب راضيا مرضيا عنه في الدنيا والآخرة وقد أجيب إلى ما سأل في دعائه فقيل له :
يا زكريا إنّا نبشّرك بغلام اسمه يحيى (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ* فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) سورة آل عمران الآيتان ٣٨ و ٣٩] .. لم يجعل له من قبل سميا فلم يسم أحد قبله بهذا الاسم ، وقيل لم نجعل له سميا وشبيها وهذا المعنى يؤيده قول الله (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [سورة مريم آية ٦٥] أى شبيها.
وهذا زكريا : وقد فرح فرحا شديدا حين أجيب إلى سؤاله ، يتعجب ويسأله عن كيفية الولادة مع أن امرأته عاقر لا تلد ، وهو كبير في السن وضعيف في البنية ، وليس سؤال استبعاد على القدرة.
قال رب كيف يكون لي ولد؟!! وكانت امرأتى عاقرا ، وقد بلغت من الكبر عتيا.
قال الله ـ سبحانه ـ أو قال الملك المبلغ : الأمر كذلك من خلق غلام منكما وأنتما على حالكما.