اليابسة تتساقط عليك رطبا جنيا شهيا ، أليست هذه أمارات الرضا؟ ودليلا على أن الله معك ولن ينساك يا مريم ، فكلي من الرطب واشربى من النهر وقرى عينا ، واهدئى بالا ، واطمأني نفسا فالله معك ، وحافظك من الناس ، فإن رأيت من الناس أحدا فيه أمارة الاعتراض عليك فلا تكلميه ، وقولي : إنى نذرت للرحمن صوما وسكوتا عن الكلام فلن أكلم اليوم إنسانا بل سألكم الملائكة ، وأناجى ربي ـ سبحانه وتعالى ـ.
ولما اطمأنت مريم ـ عليهاالسلام ـ بما رأت من الآيات ، وفرغت من نفاسها أتت بعيسى تحمله إلى أهل بيتها ، فلما رأوا الولد معها حزنوا ، وكانوا أهل بيت صالحين (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) [سورة آل عمران الآيتان ٣٣ و ٣٤].
قالوا منكرين : يا مريم لقد جئت شيئا فريا وعجيبا ونادرا في بيئتنا وبيتنا فليس هذا من عوائدنا وعادتنا .. يا مريم ما كان أبوك امرأ سوء بل كان رجلا صالحا ، وعبدا قانتا ، وما كانت أمك بغيا فمن أين يأتى لك هذا السوء؟! وفي هذا دليل على أثر الوراثة والبيئة.
فأشارت إلى الوليد الصغير أن تكلم قالوا متعجبين منكرين ذلك : كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟! اعتبروا هذا استهزاء بهم وجناية زيادة على جنايتها الأولى.
ولكن الوليد الصغير لم يكن كأمثاله نشأ من أب وأم بل خلقه الله آية عجيبة وخلقة غريبة يؤمن بسببه أناس ، ويكفر آخرون.
قال إنى عبد الله ـ ولست ولدا لله ولا جزءا منه بلى أنا بشر وعبد له ـ آتاني الكتاب وهو الإنجيل. وجعلني نبيا إليكم ، وجعلني مباركا لي في كل شيء ، وثابتا على دين الحق ، وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ، وجعلني بارا بوالدتي فقط حيث لم يكن له أب ، ولم يجعلني ربي جبارا عنيدا وشقيا مطرودا.
والسلام من الله العلى القدير ، علىّ يوم ولدت من غير أب ، ويوم أموت ، ويوم أبعث حيا.