فلما رأته على هذا الوضع قد اخترق عليها حجابها. ظنت به سوءا أو أنه يريد بها شرا فقالت له إنى أعوذ بالرحمن منك وألتجئ إلى الله أن يقيني شرك ، ما كنت يا هذا رجلا نقيا.
وهذا دليل على عفافها وورعها حيث تعوذت بالله من تلك الصورة الجميلة الفاتنة وكان تمثيله بتلك الصورة ابتلاء من الله لها وسبرا لعفتها. قال جبريل لها : إنما أنا رسول ربك الذي تستعيذين به ، جئت لأهب لك غلاما زكيا طاهرا.
قالت مريم : أنى يكون لي غلام؟ والحال أنى لم يمسني بشر في زواج شرعي ولم أك بغيا من البغايا!!
وسؤالها هذا لم يكن عن استبعاد لقدرة الله ، ولكن أرادت متعجبة كيف يكون هذا الولد؟ هل هو من قبل زوج تتزوجه في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء؟
قال الملك : الأمر كذلك (والمشار إليه أنى يكون لي غلام؟) قال الله : هو على هين وقد خلقناه على هذا الوضع لنجعله آية للناس حيث يستدلون بخلقه على كمال القدرة ، وتمام العظمة لله ـ سبحانه وتعالى ـ.
وكان رحمة منا للخلق ، وهكذا كل نبي يهدى الناس إلى الخير ، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم ، وكان ذلك المذكور أمرا مقضيا ومقدرا من الله.
اطمأنت مريم إلى كلامه فدنا منها ، ونفخ في جيب درعها أى نفخ في فتحة قميصها من أعلى ، ووصلت النفخة إلى بطنها ، وتنحت عن أهلها قاصدة مكانا قصيا بعيدا فألجأها المخاض متجهة إلى جذع النخلة لتستر به ، وتعتمد عليه عند الولادة قالت : يا ليتني مت قبل هذا الحادث ، وكنت شيئا منسيا ، تراها تمنت الموت خوفا من أن يظن بها السوء في دينها ، أو يقع أحد بسبها في البهتان.
فناداها جبريل من تحتها إذا كانت هي على مكان مرتفع وقيل الذي ناداها هو عيسى الوليد ، ناداها بألا تحزني ولا تتألمى.
فهذه آية الله الدالة على أن الأمر خارق للعادة ، وأن لله في خلقه شؤونا. فها هو ذا قد جعل لك ربك تحتك نهرا يفيض بالماء بعد أن كان جافا ، وحركي جذع النخلة