ـ أن السحر لا يفعل هذا أبدا وإنما هي القوة الإلهية صنعت هذه المعجزة ، فخروا لله ساجدين ، وآمنوا برب العالمين ، رب موسى وهارون ؛ مفضلين ذلك على الأجر الدنيوي مؤثرين الحق على الباطل ، والباقية على الفانية!!
ماذا يفعل فرعون؟ إنه لموقف جد خطير قد جمع الناس جميعا وجمع السحرة من كل مكان ، وقد أفهم الشعب الذي يقدسه أن نهاية موسى وهارون في ضحى الغد ، يوم يجتمع الناس في وفاء النيل.
ولم يعد موسى وهارون وحدهما بل صار معهما السحرة والعلماء في قومه!! فلا بد أن يختصم الجميع ، ويتهم الكل ، وإن كان مخالفا للعقل والمنطق.
فقال للسحرة سترا لموقفه : إنه لكبيركم وأستاذكم الذي علمكم السحر ولهو أقوى منكم ، وغلب سحره سحركم ، وهو يريد بهذا أن يخرج المسألة عن نطاق المعجزة الإلهية إلى دائرة سحر السحرة.
قال هذا مع علمه أن موسى رحل إلى مدين صغيرا ، وعاد منها قريبا ، ولم يتصل بالسحرة مطلقا فضلا عن كونه أستاذهم ، ولكنه المقهور المغلوب يلتمس لنفسه العذر وإن كان لا يغنى شيئا.
ثم أخذ يتجنى عليهم ويؤنبهم بقوله : آمنتم به قبل أن آذن لكم ، فهم أذنبوا حيث لم يستأذنوا ، وهو لهذا أقسم ليقطعن أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وليصلبنهم على جذوع النخل ، ولتعلمن أيها السحرة أينا أشد عذابا وأقوى؟ وهو إذ يضع نفسه في كفة وموسى في كفة أخرى إنما يستهزئ ويفتخر.
هذا هو فرعون مصر ، وذلك بطشه الشديد ، وتهديده الكثير ، أما الإيمان العميق المبنى على الفهم الدقيق فقد جعل السحرة يقولون : لن نؤثرك يا فرعون ونختارك على ما جاءنا من البينات والهدى لن نفضل نعمتك على ما هدانا الله إليه والذي فطرنا وخلقنا فاقض بما تشاء واحكم بما تريد ، إنما تقضى وتحكم في هذه الحياة الدنيا ، ولن تنال إلا من جسمنا الفاني تقطع منه أو تقتله أما الإيمان واليقين فذلك شيء لن تنال منه. وذلك إنا آمنا بربنا وصدقنا برسالة نبينا رجاء أن يغفر لنا خطايانا ، وما أكرهتنا عليه من السحر ، والله ـ سبحانه ـ خير وأبقى ، والدار الآخرة للذين يتقون ، وكيف