والأوزار خالدين فيه ماكثين في عذابه ، وساء لهم يوم القيامة حملا ، وبئس الحمل حملهم يوم القيامة.
يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية بدليل ذكر الحشر بعدها ، ونحشر المجرمين الظالمين وهم المشركون زرق العيون سود الوجوه (عَلَيْها غَبَرَةٌ* تَرْهَقُها قَتَرَةٌ* أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) [عبس الآيات ٤٠ ـ ٤١ ـ ٤٢] نحشرهم عطاشا خائفين مضطربين ، يتسارون بينهم قائلين. ما لبثتم إلا عشرا من الليالي أو من الساعات فهم لشدة ما يرون ولهول ما يصادفون يستقصرون مدة الدنيا أو مدة ما كانوا في القبر ، أو مدة ما بين النفختين ، نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم وأصدقهم نظرا ما لبثنا إلا يوما واحدا لا عشرا ، والأمثلية نسبية فلا يمنع أنه على الباطل مثلهم.
ويسألونك عن الجبال ماذا تكون يوم القيامة؟ استعظاما لها سألوا عنها النبي فأمر صلىاللهعليهوسلم أن يقول لهم : فقل ينسفها ربي نسفا قال بعضهم : يقلعها من أصولها ، ثم يصيرها رملا دقيقا ، ثم يصير كالصوف المندوف ، ثم تكون هباء منثورا .. فيذر أماكنها أرضا مستوية مكشوفة لا نبات فيها ولا بناء وهي صفصف أى : مواضعها أرض ملساء مستوية لا شيء فيها ، لا ترى فيها عوجا ولا ميلا ، ولا تلالا صغيرة ، والمعنى أن الجبال ذهبت وبقيت مواضعها أرضا مستوية مكشوفة معتدلة لا شيء عليها.
يومئذ يتبعون الداعي وهو إسرافيل الذي ينفخ في الصور ، لا معدل لهم عن ابتاعه! ولا ينحرفون عن طلبه بل يسرعون إليه ولا يحيدون عنه ، وخشعت الأصوات وسكنت فلا تسمع إلا صوتا خافتا ، ولا تسمع إلا وقع الأقدام فقط إذ كل امرئ له شأن يغنيه عن كلام أخيه ، ويومئذ لا تنفع الشفاعة أحدا إلا شفاعة من أذن له الرحمن ورضى له قولا ، إذ الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو المالك المتصرف في الخلق جميعا العالم ما بين أيديهم من أحوال القيامة ، وما خلفهم من أمور الدنيا ولا أحد يحيط به علما .. وعنت الوجوه وذلت الرقاب ، وخضعت النفوس للحي القيوم على كل نفس بما كسبت القائم بتدبير الخلق جميعا ، الدائم الذي لا يزول ولا يحول ولا يبيد ، وقد خاب من حمل ظلما وشركا.
ومن يعمل من الصالحات الباقيات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا نقصا لثوابه ولا هضما لحق من حقوقه (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [سورة الأنبياء آية ٤٧].