فقلنا : يا آدم أما وقد عصى إبليس ربه ولم يسجد لك حسدا أو غرورا منه فاعلم أنه عدو لك ، ولزوجك ، وإياك طاعته ، واحذر من وسوسته وتزيينه الباطل في صورة الحق.
إن هذا عدو لكما فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى وتتعب ، إنك يا آدم فيها لا تجوع أبدا ، ولا تعرى أبدا ، ولا تظمأ من العطش ، ولا تظهر في الشمس فتجد حرها ولهيبها ـ فأنت في الجنة متمتعا بنعم الله التي لا تحصى.
ومع هذا التذكير لآدم ، والتحذير له من إبليس.
وسوس له الشيطان وزين له العصيان ، وقال له : يا آدم أقسم ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكون ملكين أو تكونا من الخالدين ، وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين :
يا آدم هل أدلك على شجرة إن أكلت منها كنت من الخالدين ، وكان لك ملك لا يبلى ولا يفنى ، أتى آدم من جهة إثارة غريزتين هما غريزة حب البقاء ، وغريزة الملك فأزلهما الشيطان ، وضحك عليهما بكذبه وتغريره. فأكلا من الشجرة المحرمة. عند ذلك بدت لهما عوراتهما ، وأخذ يستران العورة ، ويخيطان عليها من ورق الشجر وعصى آدم ربه ففسد عيشه وتبدل حاله لحكمة الله يعلمها ، وقيل إن المراد في بدت لهما عوراتهما : ظهور الغريزة الجنسية عندهما.
ثم بعد ذلك اجتباه ربه واصطفاه فتاب عليه لما ندم على ما فرط منه ، وهداه إلى سواء السبيل (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) [سورة البقرة آية ٣٧].
خرج آدم وحواء من الجنة لما أكلا من الشجرة ، وأمرهما أن يهبطا إلى الأرض فقال : اهبطا أنتم والشيطان الذي أغواكم من الجنة إلى الأرض بعضكم لبعض عدو فاحذروا يا أبناء آدم هذا العدو اللدود لكم.
فإما يأتينكم منى هدى على لسان الرسل فمن اهتدى واتبع وسلك سبيل الخير وابتعد عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ، ولن تراه في الدنيا يضل ، ولن تراه يشقى أبدا بل هو في سعادة أبدية إن أعطى المال شكر وإن حرم منه صبر فهو سعيد راض ، قنوع ، محتسب فائز إن شاء الله.