افتتح الله هذه السورة بما يوقف الأطماع ، ويحدد الاتجاه ، وبما يوقفنا على ما كان عليه المشركون المشار إليهم في الآية ، وإن كان لفظ الآية يتناول الناس جميعا.
اقترب للناس زمان حسابهم ، وقرب الوقت الذي فيه يحاسبون على أعمالهم ، والحال أنهم في غفلة ، وهم معرضون عن الذكر الحكيم.
يا للعجب! يقترب الحساب ، والناس عنه غافلون ، وله ناسون وتاركون ، شغلتهم أموالهم وأهلوهم ، وهم معرضون ومضربون عما فيه خيرهم ، وبه سعادتهم في الدنيا والآخرة إن هذا لعجيب!!
هذا أمر في الناس جميعا ، وداء أصاب العالم أجمع ، ولكن الأوصاف الآتية تجعلنا نتجه بالكلام ناحية المشركين المعاصرين للنبي خاصة فهم الذين لا يأتيهم ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون.
نعم ما يأتيهم ذكر وقرآن من ربهم محدث يتلوه جبريل على النبي سورة بعد سورة وآية بعد آية ، فالقرآن نزل على النبي صلىاللهعليهوسلم منجما تبعا للحوادث ، والقرآن أى : هذا الصوت الذي يسمع بالأذن ، والحروف التي ترى بالعين هو حادث بلا شك ، وأما القرآن بمعنى كلام الله ـ سبحانه ـ النفسي فهو قديم قدم باقى الصفات القدسية.
وقيل : الذكر هو ما يذكرهم به المصطفى صلىاللهعليهوسلم ويعظهم به ، وكونه من ربهم فهو موافق لقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [سورة النجم آية ٣] ولا شك أن ذكره ووعظه حادث (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [سورة الغاشية آية ٢١].
ما يأتيهم من ذكر ربهم محدث في حال من الأحوال إلا في حال استماعهم وهم يلعبون ويلهون.
لاهية قلوبهم ، ومعرضة عن ذكر الله ، متشاغلة بالدنيا وزخرفها الكاذب عن الدين وعن ذكر الله الذي به تطمئن القلوب ، وتهدأ النفوس.
وأسروا النجوى ، وهل النجوى تكون في غير السر؟ إنها لا تكون إلا سرا ، والمراد أنهم كتموا التناجي قاصدين ، وبالغوا في إخفائه ليبحثوا عما يطفئون به نور الله ، ويبطلون به رسالة رسول الله! ولكن هيهات لهم ذلك!