ولكنها المعجزة الباقية الخالدة التي تثبت الأيام صدقها في كل شيء (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١) والغريب أن القرآن نزل يخاطب العرب الذين لا يعرفون هذه الحقائق وطالبهم بعد ثبوت إعجازه بالإيمان بها غيبيا وأمرهم أن يحملوا تلك الأمانة للناس إلى أن يعرفوا علميا حقائق الكون ؛ فإذا بها في القرآن من أربعة عشر قرنا.
من هذه نظرية السديم. فقد أثبت العلم أن الشمس والكواكب والأرض كلها كانت قطعة واحدة ثم انفصلت بكثرة الدوران وبقدرة الحكيم الخبير فصارت إلى ما نرى من الدقة والنظام بفعل الجاذبية الذي خلقه الله في الكون.
أليس هذا هو عين ما يقوله القرآن الكريم (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) ولقد سبق أن تكلمنا عن نظرية خلق السموات والأرض «نظرية السديم» في الجزء الثاني عشر ص وقد ذكروا رأيا آخر في الآية : أن السموات والأرض كانتا رتقا لا تمطر ولا تنبت ففتقنا السماء بالمطر والأرض بالنبات.
(وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) وقد جعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ كل شيء حي من الماء يغتذى به ويرويه ، ولا يمكن أن يصبر عليه وهو حي ، على أنه أصله فالحيوان من النطفة التي هي ماء ، والنبات لا ينبت أبدا إلا بالماء.
فالماء عنصر مهم جدا لحياة الكائن الحي من حيوان ونبات ، ألم تر أن الحيوان قد يعيش بدون غذاء حوالى سبعين يوما ما دام يشرب ماء ، ولا يعيش بدون الماء أياما قليلة ، والنبات يجف ويموت وهو في وسط الأرض التي منها غذاؤه إذا لم يرو بالماء ، فالماء والكائن الحي صنوان لا يفترقان فإذا افترقا هلك الحي.
وجعلنا في الأرض رواسى شامخات من الجبال خوف أن تميد بالناس وتضطرب ، وهي تدور حول نفسها وحول الشمس.
وجعلنا فيها طرقا واسعة وأودية مترامية الأطراف بين الجبال ليصلح عليها السير والإنبات لعلكم تهتدون إلى الصانع المختار.
__________________
(١) سورة فصلت الآية ٥٣.