فلا يرون أنا نأت الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه. وما هي الأرض وما معنى نقصها من أطرافها؟
هذه السورة مكية ، وحالة المسلمين في مكة كما تعرف يا أخى كانت شديدة ، فهل لنا أن نفهم أن المراد بالأرض أرض الكفر ، ومعنى نقص أطرافها دخول الناس في الإسلام شيئا فشيئا ، واتساع نفوذ الإسلام شيئا فشيئا على حساب أرض الكفار ونفوذهم ، وهذا فهم يصح أن يكون إذا تجاوزنا في فهم نقصان الأطراف نوعا ما أو نقول إن هذا من باب الإخبار بالغيب.
وبعض العلماء يقول : هذه آية سيقت للدلالة على قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ حتى لا يفهم المشركون أن تركهم بدون إيقاع العذاب بهم عن عجز أو تقصير. لا : بل هي الحكمة الإلهية ، والترتيب الرباني للمسلمين. فيكون المعنى أفلا يرى الكفار أنا نأتى الأرض أى الكرة الأرضية ننقصها من أطرافها أى : في الشمال والجنوب فعلماء الطبيعة يقولون : إن الأرض ليست تامة التكوير والاستدارة بل منبعجة في الوسط مفرطحة من جهة القطب الشمالي والجنوبي وهذه آية كونية يفسرها العلم الحديث بعد نزولها بثلاثة عشر قرنا.
والرأى الأول لا بأس به أيضا لقوله تعالى : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ)؟ فإن معناها كيف يكونون غالبين بعد نقصنا لأرضهم من أطرافها وتقليل عددهم بمن يدخل في الإسلام ولو سرّا وفي هذا إشارة إلى غلبة المسلمين ونصرة أصحاب الحق مهما لاقوا ومهما حصل لهم ، قل لهم يا محمد تهديدا لهم : إنما على البلاغ ، وعلى الله الحساب ، وإنما أنذركم بالوحي والقرآن ، وأبين لكم عاقبة كفركم بما أتحدث به عن الأمم السابقة ، وذلك شأنى؟ وما أمرنى الله به. ولكن هل يسمع الصم الدعاء؟ إذا ما ينذرون!! لا : إنه لن يسمع أولئك الذين ختم الله على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وجعل على أبصارهم غشاوة فقلوبهم مغلقة لا يدخلها خير أبدا (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وقد قالوا : إن هناك حواس لإدراك المعنويات من الإنذار والتخويف ، ومحلها القلب وسيأتى بيان ذلك قريبا إن شاء الله.
وتالله لئن مستهم نفحة قليلة من عذاب ربك ليقولن : يا ويلنا ويا هلاكنا ، إنا كنا ظالمين.