المعنى :
وإن يكذبك يا محمد هؤلاء الناس ، ويسعوا في الأرض فسادا ويؤذوا أصحابك بأنواع الأذى ، فلا تحزن ولا تتألم أنت وصحبك الأبرار فقديما كذبت الأمم رسلها. ثم كان النصر للمؤمنين (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [سورة يوسف آية ١١٠].
وها هو ذا أبوك نوح قد كذبه قومه وعصوه ، وأخوك هود مع عاد ، وصالح مع ثمود ، وإبراهيم مع قومه ، ولوط مع قومه ، وشعيب مع أصحاب مدين ، فهل رأيت إلا إيذاء وتكذيبا من القوم ، وصبرا وثباتا من الرسل ، فلست بدعا من الرسل والناس هم الناس.
وهذا موسى ـ عليهالسلام ـ مع ظهور آياته ومعجزاته كالعصا واليد قد كذب ، ولكن الحكم العام أن الله يملى للكافرين ، ويمهل الظالمين ولا يهمل أبدا حتى إذا حان وقت العذاب أخذت بعذاب بئيس ، وعقاب شديد.
فانظر : كيف كان إنكار ربك عليهم؟!! وكيف غير نعمتهم إلى نقمة ، وبدل سرورهم إلى حزن ، وقصورهم إلى خراب (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج ١٢].
فكثير من القرى أهلكناها ، وأبدنا أهلها عن آخرهم ، والحال أنها ظالمة فأصبحت لا ترى إلا مساكنهم ، التي هي خاوية على عروشها ، قد سقط السقف أولا ثم الحيطان عليه ، وهذا نوع من الإبادة شديد.
وكثير من الآبار عطلت لفناء أصحابها أو لغور مياهها ، وكذلك كثير من القصور المشيدة أخليت من سكانها وتركت تنعى أصحابها وروادها بلسان الحال!! أعمى هؤلاء المشركون من قريش ، والمكذبون للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والذين يؤذون النبي وأصحابه فلم يسيروا في الأرض!! فتكون لهم قلوب يعقلون بها الحقائق ، ويدركون بها الأسرار ، وخفيات الأمور ، حتى يعلموا عاقبة تكذيبهم ، وأنه وبال عليهم ، وسيحل بهم ما حل بمن سبقهم ، فسنة الله لا تتغير أبدا ، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (١).
فإنها لا تعمى الأبصار الظاهرة وحواسها ، ولكنها تعمى القلوب التي في الصدور.
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٤٣.