المعنى :
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال : يا قوم اعبدوا الله وحده فهو صاحب الفضل عليكم ، ولا يستحق العبادة غيره ، لأن غيره لم ينفع أحدا بل قد يضره. وعلى هذا فليس لكم إله غير الله يستحق العبادة ، أفلا تتقون؟!!
هكذا دعاهم نوح إلى عبادة الله ، ولكن أشراف قومه يكرهون ذلك : لخوفهم من الدين الجديد الذي يزيل الفوارق ، ويعامل الناس على السواء ، كرهوا من نوح أن يدعو إلى عبادة الله ، إذ هو سيكون متبوعا ، وهم تابعون ، وهذا شيء يؤلمهم. فدفعهم الكبر والغرور ، والحسد والحقد ، إلى أن يتزعموا الخارجين على الدعوة المناوئين لنوح ـ عليهالسلام ـ ويقولون : ما هذا ـ أى نوح ـ إلا بشر مثلكم من عامة الناس يريد أن يتفضل عليكم ، ويستأثر بالتعاظم وحده عليكم حيث يدعى أنه رسول الله إليكم ، وهو بشر مثلكم لم يزد عنكم في شيء فكيف تسلمون له بالزعامة والقيادة؟
ولو شاء الله حقيقة ـ كما يدعى نوح ـ أن يرسل رسولا لأنزل ملائكة من السماء رسلا عنه فإن هذا أدعى للإيمان ، وأدل على الصدق ، فهم لقصر عقولهم وسوء تفكيرهم يعتقدون أنه لا يمكن أن تكون الرسالة مع البشر ، على أنا ما سمعنا بهذا الذي يدعيه نوح في آبائنا الأولين ، فما الذي جرى حتى يأتى نوح ويدعى الرسالة؟!
وما نوح إلا رجل مجنون حيث يدعى ذلك فتربصوا به ريب المنون ، وانتظروا موته ، وهو آت بلا شك وستستريحون منه.
وهكذا كانت شبههم ، وهي أوهى من بيت العنكبوت ، ولذا لم يعن القرآن بالرد عليها ، لأن بطلانها ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
فلما ضاق صدر نوح منهم ومن أعمالهم دعا ربه أنى مغلوب فانتصر ، وقال : رب انصرني وأهلكهم بسبب تكذيبهم لي ، فأوحينا إليه أن اصنع السفينة بأعيننا وتحت رعايتنا وكلاءتنا ، وهذا وحينا جبريل يهديك ويعلمك كيف تصنع السفينة؟
فإذا جاء أمرنا ، وشأننا العظيم ، وقد فار التنور ، وزاد الماء ، وبلغ الربى فأدخل في السفينة من كل حيوان زوجين اثنين ذكر وأنثى ليبقى التناسل في الدنيا ، واحمل فيها أهلك الذين آمنوا فقط لكن من سبق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون فلا تحملهم