ويرجعوا عن غيهم ، فما ردهم ذلك عما كانوا فيه ، وما استكانوا لربهم ، وما كانوا يتضرعون (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) [سورة الأنعام آية ٤٣].
حتى إذا جاءهم أمر الله ، وجاءتهم الساعة بغتة ، فأخذهم من عذاب الله ما أخذهم ، وفتح عليهم باب ذو عذاب شديد ، عند ذلك أبلسوا من كل خير ، ويئسوا من كل راحة وانقطع أملهم ، ونفد رجاؤهم فأصبحوا حيارى لا يدرون ماذا يفعلون؟!!
يا للعجب هذا حالهم!! والله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الرحمن الرحيم صاحب النعم على الناس جميعا ، فهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة لكي تعلموا ما حولكم ، وتنظروا وتفكروا في هذا الكون وما فيه من آيات شاهدة ناطقة بوحدانية الله وأنه الفاعل المختار ، ما أقل شكركم على نعمه عليكم ، وما تشكرون إلا شكرا قليلا ، بل إنكم تكفرون به.
وها هي آيات الله الناطقة بقدرته التامة ، فهو الذي خلقكم وأنشأكم في الأرض تعمرونها ، على اختلاف أشكالكم وألوانكم ولغاتكم ثم إليه وحده تحشرون وتجمعون ...
وهو الذي يحيى الأحياء ، ويميت الموتى ، وله وحده اختلاف الليل والنهار وله وحده يرجع الفضل في اختلافهما ، وتعاقبهما كل منها يطلب الآخر طلبا حثيثا ينظام دقيق ، (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس آية ٤٠].
ومع هذا كله فقد أنكروا البعث واستبعدوه لما قالوا : من يحيى العظام وهي رميم؟ قالوا مثل ما قال الأولون السابقون لهم من الأمم قالوا : أإذا متنا ، وكنا ترابا ، وعظاما بالية ، أننا لمبعوثون أحياء؟ وقالوا : لقد وعدنا نحن وآباؤنا مثل هذا من قبل كثيرا ، ولم يتحقق شيء منه كأنهم لغباوتهم يفهمون أن الإعادة في الدنيا ، وقد قالوا : ما هذا الوعد الذي نسمعه إلا أساطير الأولين ، وأحدوثة من أحاديثهم المكذوبة ..
ثم يقرر الحق ـ تبارك وتعالى ـ وحدانيته ، واستقلاله بالخلق والتصريف ليرشدهم