إذ هو خير لعائشة حيث برئت منه في القرآن الكريم فكانت كمريم البتول وأصبح التصديق ببراءتها جزءا من إيمان كل مؤمن ، وكل من شك فيه كفر.
وبعد أن بين أن فيه خيرا لا شرا أتبع ذلك بأن لكل امرئ منهم جزاء ما اكتسب من الإثم ، والذي تولى كبره منهم وقاد هذه الحملة ، وهو عبد الله بن أبى بن سلول ، له عذاب عظيم من الله ، وفي هذا تطمين لنفوسهم ، فقد بان خيرهم ، وانتقم لهم ممن آذاهم.
وهذا عتاب للمسلمين ، وتربية لهم وتنبيه ، حيث كان الواجب عليهم وقت أن سمعوا تلك المقالة الشنيعة أن يقيسوا الأمور بمقياس صحيح على أنفسهم فإذا كان مثل هذا بعيدا على المؤمن الذي عمر الإيمان قلبه من رجل وامرأة ، أفلا يكون بعيدا بل مستحيلا على أمثال عائشة وصفوان؟!! فإذا قسنا هذا بقياس الإيمان أنتج هذه النتيجة ، وهذا هو سر قوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ).
وفي هذا بيان لموضع الإيمان من نفوس المؤمنين ، وأنه مقياس صحيح ، وأن المسلمين جميعا سواء ، كان الواجب ألا يكتفوا بالظن الحسن في نفوسهم بل يقولون : هذا إفك وكذب ظاهر بين ، فمن المستحيل أن تكون زوجة النبي زانية فإن الزنى أكبر عارا ، وأشد حقارة من الكفر ، ولقد صدر هذا الإفك من قوم عرفوا بالنفاق والكذب والزور ، وكيف يتصور حصول هذا ، فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله وعند الناس جميعا كاذبون!!
ولو لا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة ، بأن أمهلكم للتوبة في الدنيا وأرشدكم إلى الطريق ، وفي الآخرة حيث قبل منكم التوبة ، وأثابكم على امتثال الأمر.
ولو لا هذا الفضل وتلك الرحمة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ، وقد أفاضوا في حديث الإفك ، وأكثروا من الكلام فيه حتى فاض من جوانبهم كما يفيض الماء من الإناء والخطاب لجميع المسلمين ، ومنهم ابن أبى ، ولكنه ضيع الفضل والرحمة في الدنيا والآخرة لإصراره على الكلام ، ووقوفه عند دعواه الباطلة لذلك مسه العذاب في الدنيا والآخرة.