ولو لا فضل الله عليكم وتوفيقه لكم ، ورحمته بكم لمسكم بسبب ما أفضتم فيه من حديث الإفك عذاب عظيم وقت تلقفكم له بألسنتكم ، فقد كانوا يتلاقون مع بعض ، ويستثير أحدهم الآخر بسؤاله : ما وراءك؟ ليتكلم ويفيض في الإفك ، ويتلقى القول منه ، ويجتذبه بلسانه ، لا أنه مجرد سماع عفوا ، ولعل هذا السر في التقييد بقوله :
(بِأَلْسِنَتِكُمْ) نعم وكانوا يقولون هذا بملء أفواههم غير ملقين له بالا ، ولا مقدرين له خطرا ويقولون بأفواههم ما ليس له في قلوبهم حجة ولا برهان ، وتحسبونه هينا سهلا لا جرم فيه ، وهو عند الله عظيم ، وكيف لا يكون كبيرا وعظيما ، وفيه رمى بيت النبوة بالزنى ، وتدنيس فراش النبي بأقبح القاذورات ، ترى أن الله عاتبهم على ثلاثة أمور :
(أ) تلقى ذلك بالسؤال عنه واستثارة المخاطب ليتكلم فيه.
(ب) قالوا بلا علم ولا دليل.
(ج) استهانوا بما صدر منهم ، ولم يتبعوه باستغفار ولا استنكار!! ولو لا قلتم أيها المسلمون حين سمعتم هذا الخبيث من الكلام : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ، ولا ينبغي أن نخوض في عرض النبي صلىاللهعليهوسلم بلا علم ولا حجة أبدا.
بل وتقولون : سبحانك يا رب وتنزيها لك وتقديسا أن ترضى لأكرم خلقك وأشرف الناس عندك أن يحل بأقرب الخلق إليه وألصقهم به تلك النقيصة وهذه الفاحشة سبحانك!! يا رب سبحانك!! هذا بهتان عظيم واختلاق أثيم يبهت له الإنسان ويدهش!!
وقد روى أن بعض الصحابة قال ذلك حين سمع هذا.
وكل ما مضى من التسلية والتربية والتوجيه ليس الغرض منه التقريع والتوبيخ بل القصد هو أن يعظكم به ويرشدكم حتى لا تعودوا لمثله أبدا ، إن كنتم مؤمنين ، فهذا العمل وأمثاله يتنافى مع أصل الإيمان وحقيقته ، ويبين الله لكم الآيات والله عليم بخلقه وبأحوالهم الخاصة والعامة السرية والجهرية حكيم يضع الأمور في نصابها.
وهذا نوع آخر لبيان جرم الوقوع في الأعراض ، وإشاعة أخبار الزنى والفاحشة