بين الناس ، والناس يحسبون هذا هينا لأنه كلام باللسان لا أذى باليد والسنان ، وما علموا أن جرح اللسان قد يكون أشد من جرح السيف والسنان. إن الذين يحبون أن تشيع وتنتشر الفاحشة وأخبارها بين الناس ، لهم عذاب مؤلم في الدنيا والآخرة ، وإذا كان الهم بالمعصية ثم تركها لا عقوبة عليه ، فما بال حب ذكر الفاحشة! عليه هذا العقاب!؟ ولعل في ذكر حب الفاحشة إشارة إلى أن هذا داء قلبي يصاب به من يريد التعالي على الناس وهو يحسدهم على ما آتاهم ربهم فتراه يحب من صميم قلبه أن يجرح كرامتهم وأن يقع في أعراضهم ظنّا منه أن هذا شرف له ، وقد كان هذا مع ابن أبى ورسول الله ، وهو كذلك مع كل إنسان يتكلم في الأعراض ؛ ولا تنس أن الآية تشير إلى أن حب إشاعة الفاحشة كاف في لحوق العذاب فما بال من يشيع بالفعل؟! ولعل المراد أن الذين يحبون أن تشيع أخبار الفاحشة ، ولكن الآية تقول : يحبون أن تشيع الفاحشة نفسها لأن إشاعة الخبر يقتضى إشاعة الفاحشة نفسها ألا تراك تمتنع مع ذكر أخبار الفاحشة أمام أولادك لاعتقادك أن في هذا خطرا عليهم ، ومن الحقائق المعلومة أن ذكر الفاحشة وأخبارها مما يقرب الشخص إليها حتى يقع فيها.
هؤلاء الذين أذاعوا أخبار الفاحشة في بيت النبوة لهم عذاب أليم في الدنيا بالحد والإهانة من الناس ، ألم تعلم أن من يتكلم في أعراض الناس لا بد أن يتكلم الناس في عرضه؟ فمن غربل الناس نخلوه ، ومن لا يتق الشتم يشتم ، ولهم في الآخرة عذاب شديد.
وانظر إلى التعبير بالفاحشة عن الزنى فإنه أفحش الفواحش لما يلحق صاحبه من المهانة وتنكيس الرأس ، والله يعلم هذا وأكثر منه وأنتم لا تعلمون الخطر في أعمالكم فمن الخير لكم أن تمتثلوا أمر الله ، وإن الزمن يثبت هذا.
ولو لا فضل الله عليكم ورحمته حيث أمركم بالخير ، وهداكم إلى الطريق الحق ، ونهاكم عما يقطع أوصالكم ، ويزرع الضغينة في نفوسكم ، وكفى شرّا أنه من دواعي الوقوع في نفس الفاحشة ، والتكلم في العرض وبخاصة مثل هذه الحادثة فإنها تتعلق ببيت النبوة الذين هم أئمة يقلدون ، حقّا لو لا فضل الله ورحمته وأنه رءوف رحيم حيث بين لنا خطر هذا الفعل الشنيع ، لو لا هذا لوقعتم في المهالك ، ولضلت بكم السبل فالحمد لله الذي هدانا لهذا.