واذكر لهم عادا لما كذبوا هودا ؛ وثمود لما كذبوا أخاهم صالحا ، وأصحاب الرس قيل : هم قوم من عبدة الأصنام أصحاب آبار وماشية فبعث الله لهم شعيبا فدعاهم إلى الإسلام فكذبوه ، وآذوه فخسف الله بهم وبدارهم الأرض ، وقيل هم أصحاب الأخدود وقيل غير ذلك ، وأيا ما كانوا. فهم قوم أخبر الله عنهم بالهلاك ، فاعتبروا يا أولى الأبصار.
واذكر لهم قرونا بين ذلك ، أى : أمما لا يعلمهم إلا الله بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس ...
وكلا من الذين ذكروا بالنص كقوم نوح وعاد ، ومن الذين ذكروا بالإجمال ضربنا له الأمثال ، وبينا له الحجج والآيات ، وأجبناهم على كل الشبه والاعتراضات فلما لم يجد هذا ولا ذاك تبرناهم تتبيرا ، وأهلكناهم هلاكا تاما.
فما لكم لا تعتبرون؟!!
ولقد أتى أهل مكة على القرية ، ومروا بها في رحلاتهم ، والمراد بالقرية (سدوم) من قرى قوم لوط ، التي أمطرت بالحجارة فكان أسوأ مطر وأشده عليهم! أفلم يكونوا يرونها؟
أفلم يكونوا في مرورهم ينظرون إلى آثار عذاب الله ـ تعالى ـ ونكاله بهم!! بل السبب في جحودهم وعدم اعتبارهم والتفاتهم إلى موضع العبرة والعظة ، أنهم قوم كفرة لا يرجون نشورا. نعم إن الإنسان لا يتحمل متاعب التكاليف ، إلا رجاء ثواب الآخرة وخوف عقابها فإذا لم يؤمن بها ولم يرج ثوابها فلا يتحمل مشاق التكاليف ، ولا يفتح عينه ولا قلبه على موضع العبرة والعظة ، وهذا هو معنى قوله تعالى (لا يَرْجُونَ نُشُوراً) ولعلك تدرك من هذا السر في قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (١) ولا شك أنهم هم المنتفعون بالقران إذ من لا يؤمن بالحياة الآخرة بعيد عليه ان يتقبل الهدى والنور.
__________________
(١) سورة البقرة الآيتان ٢ و ٣.