إلى ذنبه ذنبا آخر هو ترك عبادة الآلهة إلى ديانة غير معروفة وعبادة غير مألوفة ، ولذا يرد موسى ـ عليهالسلام ـ بقوله : أما قتل القبطي فقد فعلت فعلتى هذه ، وأنا من الضالين الجاهلين الذين لم يعرفوا الحق فيتبعوه ، فليس على فيما فعلته توبيخ ، وقد خرجت من دياركم ، وفررت منكم لما خفتكم ، فوهب لي ربي من عنده حكما وعلما ، وجعلني من الأنبياء ، والمرسلين ، فليس هذا موضع غرابة وتعجب وإنكار منكم على ، وتلك نعمة تمنها على ، وهي تربيتي في بيتك؟ وقد استعبدت بنى إسرائيل قومي ، والمعنى ما كان لك أن تمن على بأن ربيتني في بيتك ، في حال إنك عذبت بنى إسرائيل وأذقتهم سوء العذاب.
محاجة موسى لفرعون في شأن ربه : لما ألحّ موسى في طلب إخراج بنى إسرائيل من مصر إلى فلسطين ، وطلب من فرعون وملئه أن يعبدوا ربهم الذي خلقهم ، ولم يجد معه التلطف والتذكير بالنعم وخلق هذا العالم قال له فرعون : وما رب العالمين؟ قال موسى : هو رب السموات والأرض وما بينهما ، خلق ذلك وابتدعه على أحسن صورة وأكمل نظام ، إن كنتم موفقين فاعلموا ذلك ، فالتفت فرعون إلى من حوله من ملئه مظهرا العجب قائلا. ألا تسمعون لهذا التخريف ، واستمر موسى في كلامه قائلا : هو ربكم ورب آبائكم الأولين ، لفت نظرهم إلى شيء هام ، وهو أن الرب الحقيقي الذي خلقكم وخلق آباءكم الأولين ، فأنتم محدثون. كنتم بعد العدم ، وآباؤكم ذهبوا وماتوا بعد أن كانوا موجودين ، وفرعون أمره كذلك ؛ كان بعد العدم ، وسيفنى بعد الوجود ، وأما الإله فهو الباقي بعد فناء خلقه ، القديم الذي لا أول لوجوده ... فما كان من فرعون إلا أن قال لقومه : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون لأنه جاءنا بشيء لا نعرفه.
وأما موسى فقال : هو الله رب المشرق والمغرب ، ورب الكون كله وصاحب الأمر فيه جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وتنزه عن الشبيه والولد والوالد ، فهو الإله الحق ، لا ما أنتم فيه ، إن كنتم تعقلون.
وفي سورة (طه) تتميم لهذا الموقف (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى * قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠) إلى آخر الآيات.