الحق ، واتبع الحق ، وآمن بالحق ، وصدق برسول الحق ، ولقد صدق الله حيث يقول (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) [سورة الأعراف آية ١٢٦].
فصبرا ثم صبرا لكل من عذب في سبيل الله والدعوة لدين الله ، فعسى أن يكون هذا تطهيرا لنفوسنا وإصلاحا لقلوبنا (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [سورة العنكبوت آية ٢].
انطلاق بنى إسرائيل وخروجهم من مصر وغرق فرعون : أوحى الله إلى موسى بعد هذا كله : أن أسر بعبادي ، واخرج بهم ليلا ، ففعل موسى ، وقد أخبره الله أن فرعون سيتبعه ، وكان كذلك فلما علم فرعون بخروجهم أرسل في المدائن من يجمع له الجند الكثيف والجيش الكثير ليردهم إلى العبودية ، وقال : إن هؤلاء ، أى : بنى إسرائيل جماعة قليلة إذا قيست بالمصريين ، وإنهم لنا لغائظون ، حيث سفهوا أحلامنا ، وجاءوا لنا بدين لم نألفه ، وشرع لم نعرفه ، إنا لجمع حاشد ، ومعنا جيش منظم مستعد كامل العدد والعدد ، قد اتخذ أهبته وحمل سلاحه.
فلحقوهم عند شروق الشمس صباحا على خليج السويس ، فلما رأى بنو إسرائيل فرعون وجنده أيقنوا بالهلاك ، ولكن موسى النبي الملهم سكن روعهم ، وهدأ نفوسهم وبشرهم بالنصر العاجل ، والهلاك الماحق لفرعون ومن حوله (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق ، ولما انفلق البحر صار فيه اثنا عشر طريقا على عدد أسباط بنى إسرائيل ، ووقف الماء بينهم كالطود العظيم ، فصار لموسى وأصحابه طريقا في البحر يبسا.
وأما فرعون وقومه فتبعوا بنى إسرائيل ، وصاروا خلفهم حتى إذا ما توسطوا الماء وقد نجا بنو إسرائيل ، وجاوزوا البحر ، انطبق البحر على فرعون وجنوده وعاد كما كان أولا ، ولم يفلت منهم أحد ، وهذا معنى قوله تعالى. (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ* وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ) [سورة الشعراء الآيتان ٦٤ و ٦٥].
وهكذا نجى الله المؤمنين ، وأهلك الظالمين الكافرين ، وأخرجهم من جنات وعيون ، وكنوز ومقام كريم ، هكذا أورثناها بنى إسرائيل حقبة من الزمن.