يفعل مثل ذلك ، إذ غايته أنه يخيل إلى الناس أشياء في الظاهر. أما الحقائق فتبقى كما هي من غير تغيير ، وعصى موسى قد غيرت الحقائق ، بل ابتلعت كل ما كانوا يفعلون من العصى والحبال.
علم السحرة أن السحر لا يفعل ذلك ، إنما هي القوة الإلهية التي صنعت ذلك ، القوة القادرة التي هي فوق قوى البشر جميعا ، فخروا ساجدين لله بلا شعور ولا نظام ولا ترتيب وآمنوا برب موسى وهارون ، مفضلين الحق على الباطل ، رامين بقول فرعون وأجره وباطله وجبروته عرض الحائط ، غير عابثين بما يترتب على ذلك من نتائج.
لما رأى فرعون ذلك تحير ماذا يفعل في هذا الحدث الخطير الذي شاع وانتشر بين الشعب جميعه ، وكان في طلبه الناس ليشهدوا الحفل ، وجمعه السحرة ليعجزوا موسى ، كان في هذا كله كالساعي لحتفه بظلفه.
ثم التفت إلى السحرة الذين خذلوه في وقت هو في أشد الحاجة إلى أن ينصروه ، وقال لهم متوعدا : آمنتم له ، وصدقتم برسالته عن ربه قبل أن آذن لكم؟!! إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ، وهو تدبير اتفقتم عليه سابقا ، إنه لكبيركم الذي علمكم السحر قديما ، قال هذا وهو يعلم أنه ربي في بيته ثم هاجر إلى مدين ، وعاد منها رسولا ، فلم يجتمع بالسحرة أبدا ، ولم يدبر معهم أمرا ، ولا علمهم علما ، ولكنه المغلوب يتخبط تخبط الأعمى.
ثم هددهم بالعذاب المادي فقال لهم : لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ولأصلبنكم جميعا في جذوع النخل ، ولتعلمن بعد هذا : أينا أشد عذابا وأقوى؟! قال السحرة مقالة المؤمن الواثق ، المؤمن الفاهم ، المؤمن العالم بحقائق الأشياء قالوا : لا ضير علينا ، ولا ضرر ، فيما يلحقنا من عذاب الدنيا ، فعذابك ساعة نصبر عليها ، ونلقى الله مؤمنين ، (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) وماذا يفعل عذابك؟ إنه لن ينال إلا الجسد الفاني ، والمادة الزائلة ، أما نحن فيستحيل علينا أن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والهدى ، والنور الذي قذفه في قلوبنا ربنا ، فاقض ما أنت قاض ، إنما تقضى هذه الحياة الدنيا ، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا لأن كنا أول المؤمنين ، إنا نطمع فيه أن يغفر لنا خطايانا ، وما أكرهتنا عليه من السحر ، واعلم أن الله خير وأبقى.
هكذا أيها الأخ المسلم قديما وحديثا كان العذاب والإيلام لأخيك المؤمن الذي قال