المعنى :
واتل يا محمد على كفار مكة وعلى غيرهم نبأ إبراهيم ، وخبره المهم ليعرف المشركون خصوصا أهل مكة ما كان عليه أبوهم إبراهيم ، وكيف كانت مواقفه مع قومه وبخاصة أبيه ، وفي ذلك عبرة لأولى الألباب.
واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون؟ سألهم عن عبادتهم وهو بها أعرف ليلفت نظرهم إلى ما يعبدون .. قالوا : يا إبراهيم : نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ، وعلى عبادتها مقيمين .. قال إبراهيم مناقشا لهم : عجبا لكم! هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون؟ وهل ينفعونكم في شيء أو يضرون؟ .. قالوا مجيبين له على سؤاله واعتراضه : بل وجدنا آباءنا لها عابدين ؛ يا عجبا؟ يلفت إبراهيم نظرهم إلى هذه الأصنام التي لا تسمع دعاء ، ولا يكون منها نفع ولا ضرر مقصود ، يعنى ليس لهم حجة أبدا في عبادتها وتقديسها ، وهم لا يرون لهم حجة أبدا إلا التقليد الأعمى فيقولون حجتنا : أنا وجدنا آباءنا لها عابدين ، وإنا على آثارهم مقتدون. قال إبراهيم : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون؟ والمعنى أخبرونى عن حال ما كنتم تعبدون. هل هم يستحقون العبادة أم لا؟ وهذا استهزاء منه بعبدة الأصنام ، أخبرونى عن حالهم إن كانت لهم قوة حتى أحتاط لنفسي لأنهم أعداء لي.
لكن رب العالمين ليس كذلك بل هو وليي في الدنيا والآخرة ، وهو الذي خلقني ، فهو يهديني إلى خيرى الدنيا والآخرة ، ولقد صدق الله إذ يقول (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [سورة الأعلى الآيات ١ ـ ٣].
وهو الذي يطعمنى ويسقيني أليس هو ربي وربكم الذي خلق ما في الكون وسخره ـ للإنسان ، يأكل منه ويشرب ، ويلبس ويتمتع رزقا للعبادا. ومتاعا لكم ولأنعامكم؟
وإذا مرضت فهو ربي الذي يشفيني إن كان في العمر بقية ، وانظر إلى أدب النبوة العالي حيث نسب المرض إلى نفسه والشفاء لله مع أن الكل منه وإليه ، وهذا لا يمنع من اتخاذ الأسباب والعمل بها. كالمتوكل على الله بعد الأخذ بها.
والذي يميتني إذا انقضى أجلى ، ثم يحييني للحساب والثواب ، والموت وما بعده من حياة نعم من نعم الله على عبده.