وللكهانة عند العرب في أيام الجاهلية تأثير كبير ، ولكهانتهم مركز ملحوظ يقطع بهم النزاع ، ويحكمون في المعضلات والمشكلات من الأمور ، وكتب الأدب العربي مليئة بأخبارهم وقصصهم. فهند بنت عتبة ـ أم معاوية بن أبى سفيان ـ مع زوجها الفاكه بن المغيرة المخرومى لها قصة : حيث رماها زوجها بالزنا فذهب أبوها إلى الكاهن فقال لها انهضى يا هند غير رسحاء ولا زانية وستلدين ملكا اسمه معاوية : فالتفتت هند إلى زوجها الفاكه وقالت من غيرك وتزوجت أبا سفيان وولدت معاوية.
ومن أشهرهم فاطمة الخثعمية وكانت بمكة ، ولها قصة مع عبد الله بن عبد المطلب قبل زواجه بآمنة أم الرسول ... ومن أشهرهم شق أنمار ، وسطيح الذئبى.
ويرجع فيما أعلم صدق بعض كلامهم إلى قوة الفراسة ، وبعد النظر ، وإلى استراق السمع من السماء بواسطة الشياطين ، وكان لهم قدرة على ذلك قبل البعثة كما قدمنا ، وكثيرا ما كذبوا في أخبارهم.
ومن هنا يدفع الله عن النبي وعن القرآن وصمة الكهانة بقوله : هل أخبركم أيها الناس على من تنزل الشياطين. إنها تنزل على كل كذاب ، أفاك. أثيم فاجر. تلقى الشياطين عليه ما سمعته ، وأكثرهم كاذبون يضمون إلى ما سمعوه أكاذيب أخرى كثيرة.
فهل أنتم ترون النبي صلىاللهعليهوسلم من هؤلاء الكهان؟
أما الشعر ، وما أدراك ما الشعر ، فله تأثير السحر ، ولكن النبي صلىاللهعليهوسلم ليس بالشاعر ، ولا ينبغي له أن يقول لسمو مكانته وشخصيته عن قرضه.
والشعراء يتبعهم الغاوون البعيدون عن الحق ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم يتبعه الهداة المهتدون ، ألم تر إلى الشعراء في كل واد من القول وفن فيه وغرض من أغراضه كالغزل والهجاء المقذع. والمدح بالباطل بل مدح الشخص وذمه والإجادة في الناحيتين يهيمون ويسيرون على وجوههم. لا يلوون على شيء ، وذلك أن عماد الشعر الخيال والخيال لا يجده حد ، ولا يقف دونه شيء ، فكلما كان الشاعر واسع الخيال قوى العاطفة كان شعره جيدا قويا ، والشعر لا يعتمد على الصدق بل على المبالغة والتجوز ولذا قيل : أعذب الشعر أكذبه ، والشعراء قوم خياليون عاطفيون يقولون ما لا يفعلون ، لهذا كله ما كان ينبغي للنبي أن يقول الشعر ؛ والشعر نوع من الكلام فيه الحسن والرديء ، والمقبول والمردود ، ومن هنا يمكن أن نوفق بين قول النبي صلىاللهعليهوسلم «لأن يمتلئ جوف أحدكم