الزيادة ، وإنماء المال ، كأنه قال إنما أوتيت هذا المال لفضل علمي وتمام مجهودي وتجاربي ، فليس لأحد حق له في هذا المال ، وكأنه ينكر إنعام الله عليه بتلك الأموال لاستحقاقه لها عن جدارة فهو حر التصرف.
ولقد رد الله عليه أبلغ رد حيث بين له حقيقة الأمر.
أعنده مثل هذا العلم الذي افتخر به وتعاظم ، ورأى نفسه مستوجبة لكل نعمة ، ولم يعمل به حتى يقي به نفسه مصارع السوء التي أهلك الله بها الطغاة المتجبرين الذين هم أشد منه قوة ، وأكثر مالا وعددا ، ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ، وهكذا يجب على الإنسان ألا يغتر بماله ، وأولاده وجموعه مهما كانت ، فإن الله إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، وليعلم المسلم أن الأيام دول ، وأن الدهر قلب ، وليعتبر بما حصل في الماضي ، وليحصن ماله بالإنفاق.
هذا حال قارون مع ماله ، وموقفه ممن وعظه ، وغروره بنفسه واستمع إلى الناس ، وقد انقسموا إلى فريقين : فريق ينظر نظرة سطحية ، فتعميه الدنيا وزخارفها عن الوضع السليم والطريق المستقيم وآخر قد نور الله بصيرته فهو ينظر إلى الدنيا بعين العبرة والعظة ، عين الرجل الفاهم للحقائق الذي لا تخدعه المظاهر الخلابة.
أما الفريق الأول فيقول ، وقد خرج قارون في أكمل زينته وتمام أبهته : يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون ، وإنه لذو حظ عظيم ، نظر هؤلاء إلى من فوقهم فتمنوا أن يكونوا مثل قارون في غناه وأبهته ، ونسوا أن لله في خلقه شئونا ، وأن السعادة والخير ليس في المال الكثير ، والجاه العريض ، وإنما الخير والسعادة شيء وراء ذلك كله ، ما دام العبد موصولا بربه ، راضيا مرضيّا ، ولقد عالج القرآن هذا الداء علاجا حاسما لأن الحق ـ تبارك وتعالى ـ يعلم خطره ، إذ من يمد عينيه إلى مال غيره ويتمناه ، يعود وقد امتلأ قلبه حسدا وحقدا ، وناهيك بهذه الأخطار التي ينشأ عنها معظم الجرائم : اقرأ معى قوله ـ تعالى ـ لنبيه الكريم (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) [طه ١٣٢].
أما الفريق الثاني فيقول ناصحا لأصحابه : ويلكم [هذه كلمة زجر] ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا فالسعادة فيه ، والخير لصاحبه إذ هو دائم ، لا تعب معه