ولا ضرر فيه ، وهذا المال مصدر تعب وشقاء لصاحبه في الواقع ونفس الأمر كما نشاهد ذلك عند أغلب الأغنياء.
ولا يلقّاها إلّا الصابرون ، أى : ولا يلقى هذه الحقائق ويعمل بها إلا الصابرون ، ولا شك أن هذه الحقائق هي الإيمان والعمل الصالح ، وإدراك ما يوصل إلى خيرى الدنيا والآخرة.
وقد جاءت نهاية قارون مؤيدة لما ذهب إليه أهل العلم والبصر بالدنيا والآخرة فخسف الله بقارون وبداره وبماله وبجموعه الأرض ، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله ، ويمنعون عنه بأس الله وبطشه ، حيث لم يعمل عملا صالحا يقربه إلى ربه ، ولم يحصن ماله بالصدقة والزكاة ، ولم يتقرب إلى الله وإلى الناس بترك الكبر والغرور والغطرسة ، ولهذا كله كانت النتيجة أن ضاعت دنياه ، وخسف الله به الأرض ، والله على كل شيء قدير ، وبعباده خبير بصير ، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون : وى [كلمة تفيد معنى التعجب] كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، نعم ، الله وحده هو الذي يعطى ويمنع ويبسط الرزق لمن يشاء ويقتر ، فلم يعط إنسانا لعقله وعلمه ، ولم يحرم آخر لجهله وسوء رأيه ، بل الأمر كله لله ، وإذا كان كذلك فالواجب هو امتثال أمر الله ، ومخالفة النفس الأمارة بالسوء ، وترك الغرور والكبر فإن الأمر كله بيد الله ، وهو صاحب الأمر ، لو لا أن من الله علينا لأصابنا ما أصاب قارون ، وى كأنه لم يفلح الكافرون حقيقة ، وما هم فيه في الدنيا فهو استدراج لهم ، وفتنة لغيرهم ، تلك الدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم دائم لا تعب ولا مشقة معه يجعلها ربك للذين لا يريدون علوّا في الأرض على غيرهم ، ولا يريدون فسادا والعاقبة للمتقين ، وانظر إلى قوله تعالى : (لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) حيث علق الوعد بترك إرادة العلو والفساد وميل القلب إليهما ، لا بفعلهما مبالغة في تحذير المؤمنين وإبعادهم عن هذه الأمراض الخطيرة التي تبيد الأمم ، وتهلك الأفراد والجماعات.
ولا غرابة في ذلك كله فإن هناك قانونا وسنة لا تتخلف هي : من جاء بالحسنة فله خير منها ، أى : ثواب خير منها وهو عشر أمثالها. والله يضاعف لمن يشاء ، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها فقط جزاء لعمله ، وربك ذو فضل عظيم ، إذ لا يجزى بالسيئة إلا مثلها ، ويجزى بالحسنة عشر أمثالها ، إن ربك واسع المغفرة.