المعنى :
كان لا بد للمتعب أن يستريح ، وللمضطهد أن يتنفس الصعداء ، ويخرج من السجن ، نعم أراد الله لبنى إسرائيل أن يكشف عنهم ظلم فرعون ، وأن يخرجوا من مصر إلى أرض الميعاد ، وقد خرج بهم موسى وأخوه على حين غفلة من فرعون وعيونه فلما وصل خبرهم إليه ، جمع جموعه وأدركهم على شاطئ البحر (بحر السويس) فقالوا : يا موسى هذا فرعون وراءنا والبحر أمامنا وماذا نفعل؟ فأوصى الله إلى موسى : أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالجبل وسط البحر فساروا عليه وجاوزوا البحر بعناية الله ورعايته حتى كأنه معهم ، أما فرعون فلحقهم هو وجنوده حالة كونهم باغين معتدين. وخاضوا البحر كما خاض بنو إسرائيل ، ولكن اليم قد ابتلعهم إذ لم يركبوا سفن النجاة فلما أدركهم الغرق ، وأيقنوا أنهم المغرقون لا محالة قال فرعون في تلك الحال التي يؤمن فيها البر والفاجر ، والكافر والعاصي ، تلك الساعة التي لا تنفع فيه توبة ، ولا إيمان ، قال : آمنت بالله ، أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، وأنا من المسلمين المنقادين. تراه وقد جمع الإيمان والإسلام ، وكرر المعنى الواحد ثلاث مرات ولكن هو كما قال الشاعر :
أتت وحياض الموت بيني وبينها |
|
وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل |
أتؤمن الآن؟! وقد عصيت الله كثيرا ، وكنت من المفسدين ، فاليوم نجعلك بنجوة من الأرض ، ونقذف ببدنك على ساحل البحر ليؤمن بموتك من شك أنك لم تمت ، وظن أنك فوق البشر ، ولتكون لمن خلفك آية على قدرة الله وحكمته.
فها هم بنو إسرائيل الضعفاء المستضعفون الذين طالما أذاقهم فرعون سوء العذاب يذبح أبناءهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين!! الله نجاهم ونصرهم على من؟ على فرعون صاحب الجند والطول ، والحول والقوة ، فرعون الذي يقول : أنا ربكم الأعلى!! أليس لي ملك مصر؟ وهذه الأنهار تجرى من تحتي.
وها أنتم أولاء يا معشر قريش لستم أشد قوة ولا أكثر جندا ، ولا أكثر مالا وعددا من فرعون. فاعتبروا يا أولى الأبصار : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ).