منه ـ سبحانه وتعالى ـ نذير لمن أصر على الكفر والشرك والمعصية ، نذير لهؤلاء بالعذاب الأليم ، وبشير لمن آمن واهتدى بالسعادة والنعيم المقيم.
وأن استغفروا ربكم ، واسألوه المغفرة من الشرك والكفر والذنب ثم توبوا إليه نادمين على الفعل ، عازمين على عدم العودة ، مصلحين ما أفسدتم ، عاملين الصالح من الأعمال (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) [سورة الفرقان آية ٧٠].
وانظر يا أخى في الجمع بين الاستغفار والتوبة والعطف بثم!! وهذا كله يفيد أن القول غير العمل ، وأن مرتبة العمل (التوبة) مرتبة عالية سامية فوق مرتبة الاستغفار.
ما جزاء هذا؟!! جزاء من تاب وعمل صالحا بعد الاستغفار جزاؤكم أن الله يمتعكم متاعا حسنا من رزق حلال ، وسعادة في الدنيا ، وعيشة رغدة ، ونعمة متتابعة كل هذا إلى أجل مسمى ، ونهاية محدودة بالموت والفناء ، وانقضاء الأجل. المحدد عنده ـ تعالى ـ ، هذا هو الجزاء في الدنيا ، أما في الآخرة فسيؤتى كل ذي فضل من علم وعمل نافع جزاء فضله مطردا كاملا غير منقوص.
انظر يا أخى ـ وفقك الله ـ إلى قوله ـ تعالى ـ : (يُمَتِّعْكُمْ). (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) حيث جمع في جزاء الدنيا ، وجعله موقوتا محدودا ، وفي جزاء الآخرة إفراد ولم يقيد بشيء ، وفي هذا إشارة إلى أن ثواب الدنيا لمجموع الناس لا لكل فرد ، وأما في الآخرة فسيكون لكل فرد على حدة وعلى ذلك فالمعنى :
أيها المخاطبون من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم إنكم إن تجتنبوا الشرك والإثم ، وتعبدوا ربكم وحده وتستغفروه من كل ذنب ، وتتوبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا تكونون به في الدنيا غير الأمم نعمة وقوة وعزة ودولة ، ويعط كل ذي فضل وعمل جزاء فضله في الآخرة كاملا غير منقوص (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) وأن تتولوا وتعرضوا فإنى أخاف عليكم عذاب يوم كبير هوله ، عظيم خطره ، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ، وقيل : المراد بهذا اليوم أن يصيبنا في الدنيا ما أصاب غيرنا من أقوام الرسل ، وأما يوم الآخرة فأشار إليه بقوله : (إِلَى اللهِ) وحده (مَرْجِعُكُمْ) جميعا ، وجزاؤكم على أعمالكم كلها (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).