وهذا أبو سفيان عندما بويع عثمان ، دخل إليه بنو أبيه حتى امتلأت بهم الدار ثم أغلقوها عليهم فقال أبو سفيان : « أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا . قال : يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة » (١) .
أفهل بعد هذه الكلمات الكاشفة عن الردة الخبيثة يصح لمسلم أن يعد هؤلاء وأمثالهم من صنف العدول وطبقة الصالحين ويعد جرحهم إبطالاً للكتاب والسنة وتضعيفاً لشهود المسلمين ؟ !
إن النظرة العابرة لتاريخ الصحابة تقتضي بأن بعضهم كان يتهم الآخر بالنفاق والكذب ، كما أن بعضهم كان يقاتل بعضاً ، ويقود جيشاً لمحاربته فقتل بين ذلك جماعة كثيرة ، أفهل يمكن تبرير أعمالهم من الشاتم والمشتوم ، والقاتل والمقتول وعدّهم عدولاً ومثلاً للفضل والفضيلة وإليك نزراً يسيراً من تاريخهم ممّا حفظته يد النقل غفلة عن المبادئ العامة لأصحاب الحديث :
١ ـ روى البخاري مشاجرة سعد بن معاذ مع سعد بن عبادة ـ سيد الخزرج ـ في قضية الإفك قال : « قام رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) فاستعذر يومئذٍ من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلّا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلّا معي . فقام سعد بن معاذ ، أخو بني عبد الأشهل فقال : أنا يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ، ففعلنا أمرك ، فقام رجل من الخزرج : وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ، ولكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل . فقام أسيد بن حضير
____________________
(١) الشرح الحديدي : ج ٩ ص ٥٣ نقلاً عن كتاب السقيفة للجوهري .