ولما كان القدر والقضاء بالمعنى الذي تروجه السلطة الأموية مخالفاً للفطرة والعقل قام رجال أحرار في وجه هذه العقيدة يركزون على القول بحرية الإنسان في إطار حياته فيما يرجع إلى سعادته وشقائه ، وفيما عينت للثواب والعقاب ولكن السلطة اتهمتهم بنفي القضاء والقدر ومخالفة الكتاب والسنة ثم وضعت السيوف على رقاب بعضهم ، هذا هو معبد الجهني اتهموه بالقدر ( نفي القدر ) ذهب إلى الحسن البصري فقال له إن بني أمية يسفكون الدماء ويقولون إنما تجري أعمالنا على قدر الله فقال كذب أعداء الله (١) .
ومعبد هذا قد اتهم بالقدرية وأنه أخذ هذه العقيدة عن رجل نصراني ولكنه اتهام في غالب الظن قد ألصق به وهو منه براء وهذا الذهبي يعرفه بقوله : « إنه صدوق في نفسه وإنه خرج مع ابن الأشعث على الحجاج حتى قتل صبراً ، ووثقه ابن معين ونقل عن جعفر بن سليمان أنه حدثه مالك بن دينار قال لقيت معبداً الجهني بمكة بعد ابن الأشعث وهو جريح وكان قاتل الحجاج في المواطن كلها » (٢) .
ولا أظن أن الرجل الذي ضحى بنفسه في طريق الجهاد ومكافحة الظالمين ينكر ما هو من أوضح الأصول وأمتنها ولو أنكر فإنما أنكر المعنى الذي استغله النظام آنذاك ويشهد بذلك محاورته الحسن البصري الآنفة .
ومثله غيلان الدمشقي فقد اتهم بنفس ما اتهم به أستاذه فهذا الشهرستاني يقول : كان غيلان يقول بالقدر خيره وشره من العبد . وقيل تاب عن القول بالقدر على يد عمر بن عبد العزيز فلما مات عمر جاهر بمذهبه فطلبه هشام بن عبد الملك وأحضر الأوزاعي لمناظرته فأفتى بقتله فصلب على باب كيسان بدمشق (٣) .
____________________
(١) الخطط المقريزية : ج ٢ ص ٣٥٦ .
(٢) ميزان الاعتدال : ج ٤ ص ١٤١ .
(٣) الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ٤٧ .