وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (١) ( فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ) (٢) ، ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) (٣) .
إلى غير ذلك من الآيات التي تنصّ على حرية الإنسان في اختياره خصوصاً فيما يرجع إلى الطاعة والمعصية .
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة :
إنّه سبحانه « يعلم ما في السماء والأرض إنّ ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير » (٤) وفي ضوء ذلك نعتقد بأنّه سبحانه يعلم أعمارنا وأرزاقنا وما يجري في حياتنا من الأحداث وما نقوم به من الأفعال كما يعلم مواعيد وفاتنا والكل موجود في « كتاب مبين » (٥) .
لكن علمه السابق بما يجري في صحيفة الكون لا يجعل الإنسان مكتوف اليد أمام الملابسات التي حوله ولا يصيره كالريشة في مهب الريح بل هو في الكون محكوم من جهة ومختار من جهة أخرى ، محكوم بالسنن العامة السائدة على الكون والحياة ولا يمكن الخروج عنها ، مختار في ما تتعلق به إرادته وفي موقفه من الملابسات التي حوله .
فالنوازل والمصائب والحروب الطاحنة تنتابه ، شاء أم لم يشأ والموت يدمر حياته وكيانه والسموم القتالة تهلكه والجراثيم الضارية تنحرف بها صحته ولكنه غير مسؤول أمام هذه الأمور الخارجة عن اختياره ، ولكنه أمام نعمه سبحانه والإمكانيات التي حوله أمام خيارين : فله أن يستفيد منها بما يمد حياته في الدنيا ويسعده في الآخرة كما أنّ له خلاف ذلك . فلو قلنا : الإنسان مخير لا مصيّر فإنّما
____________________
(١) سورة الجاثية : الآية ١٥ .
(٢) سورة الأنعام : الآية ١٠٤ .
(٣) سورة الإسراء : الآية ٧ .
(٤) اقتباس من قوله سبحانه : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ . . ) سورة الحج : الآية ٧٠ .
(٥) إشارة إلى قوله سبحانه : ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) سورة الأنعام : الآية ٥٩ .