ومع ذلك كله فقد نجمت بين الصحابة والنبي الأعظم مشاجرات ومنازعات بين آونة وأخرى قد ضبطها التاريخ وأصحاب السير . غير أن الشهرستاني يصر على أن أكثر الخلافات كان من جانب المنافقين وقال : « إن شبهات أمته في آخر زمانه ، ناشئة من شبهات خصماء أول زمانه من الكفار والملحدين ، وأكثرها من المنافقين ، وإن خفی علينا ذلك في الأمم السالفة لتمادي الزمان ، فلم يخف في هذه الأمة أن شبهاتها نشأت كلها من شبهات منافقي زمن النبي إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى ، وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى وسألوا عما منعوا من الخوض فيه والسؤال عنه ، وجادلوا بالباطل في ما لا يجوز الجدال فيه » .
ثم ذكر الشهرستاني حديث ذي الخويصرة التميمي في تقسيم الغنائم إذ قال : « اعدل يا محمد ، فإنّك لم تعدل ، حتى قال عليه الصلاة والسلام : إن لم أعدل فمن يعدل » (١) .
إن ما ذكره الشهرستاني صحيح لا غبار عليه غير أن الاعتراض والخلاف لم يكن منحصراً بالكفار والمنافقين بل كان هناك رجال من المهاجرين والأنصار ، يعترضون على النبي في بعض الأمور التي لا تروقهم وكأن الشهرستاني نسي قصة الحديبية حيث آثر رسول الله صلی الله عليه وآله الصلح يوم الحديبية على الحرب وأمر به ، عملاً بما أوصى الله إليه وكانت المصلحة في الواقع وفي نفس الأمر توجبه لكنها خفيت على أصحابه فطفق بعضهم ينكره والآخر يعارضه علانية بكل ما لديه من قوة . هذا هو عمر بن الخطاب فإنه بعد ما تقرر الصلح بين الفريقين على الشروط الخاصة وقد أدركته الحمية فأتى أبا بكر وقد استشاط غضباً فقال : يا أبا بكر أليس برسول الله ؟ قال : بلى . قال : أو لسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى . قال : أو ليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى . قال فعلام نعطی الدنية في ديننا . . الحديث (٢) .
وكأن الشهرستاني غفل أيضاً عن الجدال الشديد بين النبي وبعض
____________________
(١) الملل والنحل : ج ١ ص ٢١ .
(٢) السيرة النبوية لابن هشام : ج ٣ ص ٣١٧ .