وليته اكتفى بهذا المقدار ولم يلعب بعقيدة المسلمين ولم ينشر نظرية الجبر التي لو ثبتت لما بقيت للشرائع دعامة ، ويظهر من تاريخ حياته أنه أحد المصادر لانتشار نظرية نفي الاختيار والمشيئة عن الإنسان ، حتّى المشيئة الظلية التي لولاها لبطل التكليف ولغت الشريعة .
روى حماد بن سلمة عن أبي سنان قال : « سمعنا وهب بن منبه قال : كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعة وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء في كلها : من جعل لنفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر ، فتركت قولي » (١) .
والمراد من القدر في قوله « كنت أقول بالقدر » ليس القول بتقدير الله سبحانه وقضائه ، بل المراد هو القول بالاختيار والمشيئة للعبد كما يظهر من ذيل كلامه .
وهذا النقل يعطي أن القول بنفي القدر والمشيئة للإنسان ، قد تسرب إلى الأوساط الإسلامية ، عن طريق هذه الجماعة وعن الكتب الإسرائيلية . أفيصح بعد هذا أن نعدّ القول بنفي المشيئة عقيدة جاء بها القرآن والسنة النبوية ، ونكفر من قال بالمشيئة للإنسان ولو مشيئة ظلية تابعة لمشيئته سبحانه ، ونقاتل في سبيل هذه العقيدة ؟ .
الإسرائيليات المبثوثة في كتب التفسير والحديث والتاريخ ترجع أصولها إلى رجال الكنائس والبيع وقد تعرفت على اثنين منهم وهما كعب الأحبار ووهب بن منبه ، وثالثهم هو تميم الداري وله دور كبير في بثها حيث إنه أول من تولى نشر هذه الأساطير ، وقد حدث عنه علماء الرجال والتراجم وأطبقوا على أنه كان نصرانياً قدم المدينة فأسلم في سنة ٩ هجرية . وله من الأوليات أمران :
____________________
(١) ميزان الاعتدال : ج ٤ ص ٣٥٣ .