إن الفقه المنقول من أحمد قد تضاربت أقواله فيه تضارباً يصعب على العقل أن يقبل نسبة كل هذه الأقوال إليه . وافتتح أي كتاب من كتب الحنابلة واعمد إلى باب من أبوابه تجده لا يخلو من عدة مسائل اختلفت فيها الرواية بين لا ونعم ـ أي بين النفي المجرد والإثبات المجرد ـ .
هذه نواح قد أثارت غباراً حول الفقه الحنبلي وإذا أضيف إليها أنّ كثيراً من القدامى لم يعدوا « أحمد » من الفقهاء فابن جرير الطبري لم يعده منهم و « ابن قتيبة » الذي كان قريباً من عصره جداً لم يذكره في عصابة الفقهاء بل عده في جماعة المحدثين ولو كانت تلك المجموعة الفقهية من أحمد ما ساغ لأولئك أن يحذفوا أحمد عن سجل الفقهاء (١) .
لم يزل النزاع قائماً على قدم وساق بين الحشوية والحنابلة من أهل الحديث من جهة ومتكلمي الأشاعرة من جهة أخرى ـ مع أن إمام الأشاعرة كان قد أعلن اقتفاء أثر إمام الحنابلة ـ ونار الجدال مسعرة بين الفريقين ، عبر العصور المختلفة وذلك أن الطائفة الأولى كانت متمسكة بروايات التشبيه والتجسيم ، ومثبتة لله سبحانه ما لا تصح نسبته إليه ، وكانت الطائفة الثانية تتبرأ من هذه الأمور ولقد بلغ السيل الزبى في عصر أبي نصر عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم القشيري ، رئيس الأشاعرة في وقته فقام فطاحل الأشاعرة في عصره ، تعضيداً ومساندة لشيخهم برفع الشكوى إلى الوزير نظام الملك مما تبثه الحنابلة من سموم التشبيه والتجسيم وتمت الرسالة بتوقيع كثير من علمائهم التي تبين جوهر العقيدة الحنبلية في ذلك العصر .
أما الوالد فهو أبو القاسم القشيري النيشابوري وهو من أعاظم الأشاعرة في عصره ( ولد عام ٣٧٦ ) من العرب الذين وردوا خراسان وسكنوا النواحي
____________________
(١) ابن حنبل ، حياته وعصره تأليف محمد أبي زهرة ١٦٨ ـ ١٧١ .