قال ابن كثير في حوادث سنة ٤٦٠ هـ : « وفي يوم النصف من جمادى الآخرة قرأ « الاعتقاد القادري » الذي فيه مذهب أهل السنة والإنكار على أهل البدع . وقرأ أبو مسلم الكجي البخاري المحدث كتاب « التوحيد » لابن خزيمة على الجماعة الحاضرين ، وذكر بمحضر من الوزير ابن جهير وجماعة الفقهاء وأهل الكلام ، واعترفوا بالموافقة » (١) .
هذا ، وبمرور الزمن وعلى أثر تفتح العقول أفلت شمس كتاب التوحيد وشطب المفكرون من الأشاعرة على ما فيه . يقول الرازي في هذا الصدد عند تفسير قوله سبحانه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) : « واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بـ « التوحيد » وهو في الحقيقة كتاب الشرك ، واعترض عليها . وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام ، قليل الفهم ، ناقص العقل » (٢) .
هذا ، ولو أن الرازي وقف على ما في تعاليم الأشاعرة من الجبر الملتوي في مقابل الجبر الصريح كما سيبين ، والتجسيم والتشبيه الخفيين ، لما اتخذ المذهب الأشعري ـ الذي هو أحد وجهي العملة والوجه الآخر هو عقيدة أهل الحديث ـ لنفسه شعاراً ، ولما حماهم بحماس .
يقول الدكتور أحمد أمين : « وفي رأيي لو سادت تعاليم المعتزلة إلى اليوم لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي وقد أعجزهم التسليم وشلهم الجبر ، وقعد بهم التواكل » (٣) .
والصحيح أن يقال : لو سادتهم الحرية في البحث والاستماع واتباع الأحسن لكان موقفهم غير هذا .
____________________
(١) البداية والنهاية : ج ١٢ ص ٩٦ .
(٢) تفسير الإمام الرازي : ج ٢٧ ص ١٥٠ .
(٣) ضحى الإسلام : ج ٣ ص ٧٠ .