وفي ظل هذا الإصرار على القضاء والقدر بهذا المعنى نسجت أحاديث لا تفارق الجبر قيد شعرة . وإليك أمثلة منها :
١ ـ روى مسلم في صحيحه عن زيد بن وهب عن عبد الله قال : « حدّثنا رسول الله وهو الصادق أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها » (١) .
٢ ـ وروى عنه أيضاً حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : « يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول : يا رب أشقي أو سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي رب أذكر أو أنثى ؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص » (٢) .
٣ ـ قال : جاء سراقة بن مالك بن جعشم قال : « يا رسول الله بيّن لنا ديننا كأنّا خلقنا الآن فيما العمل اليوم ، أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل ؟ قال : لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، قال : ففيم العمل ؟ قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله » (٣) .
فبناء على الحديث الأوّل لا يقدر الإنسان على إضلال نفسه ولا هدايتها كما
____________________
(١) صحيح مسلم : ج ٨ ص ٤٤ كتاب القدر .
(٢) صحيح مسلم : ج ٨ ص ٤٥ كتاب القدر .
(٣) جامع الأصول : ج ١ ص ٥١٦ ، وصحيح مسلم : ج ٨ ص ٤٨ .