لا يقدر على أن يجعل نفسه من أهل الجنة أو النار ، فكلما أراد من شيء يكون الكتاب السابق حائلاً بينه وبين إرادته .
والحديث الثاني يدل على أن الإنسان لا يقدر على تغيير مصيره بالأعمال الصالحة والأدعية والصدقات ، وأنّ الكتاب الذي سبق ، حاكم على الإنسان فلا يزاد ولا ينقص وهو يخالف النصوص الثابتة في القرآن والسنة من تغيير المصير والزيادة والنقص على المكتوب ، بالأعمال الصالحة أو الطالحة .
إن تفسير القضاء والقدر بهذا الشكل الذي يجعل الإنسان مكتوف اليدين في بحر الحياة مما ترغب عنه الفطرة السليمة .
إن هذه الأحاديث قد نسجت وفق المعتقدات السائدة للسلطة آنذاك حتى تبرر أن الوضع الاجتماعي آنذاك لا يمكن تغييره أبداً فإنه شيء قد فرغ منه . فالفقير يجب أن يبقى هكذا والغني كذلك يبقى غنياً وهكذا المظلوم والظالم .
ترى أنهم قد رووا عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه قال : « يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أمر مبتدع ـ أو مبتدأ ـ أو فيما قد فرغ منه ؟ فقال : بل فيما قد فرغ منه ، يا ابن الخطاب وكل ميسر . أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء » .
وفي رواية قال : « لما نزلت ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) (١) سألت رسول الله ، فقلت : يا نبي الله فعلام نعمل ، على شيء قد فرغ منه ، أو على شيء لم يفرغ منه ؟ قال : بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ! ولكن كل ميسر لما خلق له » (٢) .
وهذا الحديث يعرب عن أنه قد تم القضاء على الناس في الأزل وجعلهم صنفين وكل ميسر لما خلق له ، لا لما لم يخلق له ، فأهل السعادة ميسرون
____________________
(١) سورة هود : الآية ١٠٥ .
(٢) جامع الأصول : ج ١٠ ص ٥١٦ ـ ٥١٧ وفيه أخرجه الترمذي .