والتعقل والاحتكام إلى العقل في مجال الطاعة والمعصية يقول سبحانه : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) .
وشهيدي الله لا تكون الدعوة الإسلامية ناجحة في أقطار الغرب والشرق إذا كانت هذه الأصول هي اللحمة والسدى لها .
إن ملحمة الكنائس ومغادرة المثقفين من المسيحيين عن دينهم هي العبرة لقادة الحنابلة ومن يقتفي أثرهم ولم يكن للهوة السحيقة بين أصحاب الكنائس والمثقفين سبب ، سوى وجود الخرافات في تعاليم الكنائس فلم تزل تدعو إلى التثليث أولاً ، وإلى التجسيم ثانياً ، وصلب المسيح لأجل إنقاذ البشرية ثالثاً ، وبيع أوراق المغفرة رابعاً ، ونوع خاص من الجبر وسلب الاختيار خامساً ، هذا وذاك صار سبباً لانسحاب الشباب والعلماء عن ساحة الكنائس والبيع واختصاص الأماكن المقدسة بالسذج من الناس الذين لا يعرفون من العلم والحياة سوى شيء طفيف .
هذه نصيحتي لقادة الحنابلة وفي الأخير نضيف إليها كلمة وهي أن الحنابلة وأهل الحديث عمدوا إلى احتكار اسم « أهل السنة » لأنفسهم ولا يصفون سائر الطوائف الإسلامية به حتى إنّ ابن تيمية محيي الدعوة السلفية في القرن الثامن لا يبيح تسمية الأشاعرة باسم أهل السنة فضلاً عن المعتزلة والشيعة وغيرهم ولكن في هذا الاحتكار بل في هذه التسمية نكتة لافتة .
إنّ توصيف طائفة من المسلمين باسم أهل السنة من العناوين الطارئة الحديثة التي ظهرت في آخر القرن الأول أو في أوليات القرن الثاني فإنك لا ترى أثراً من هذا الاسم ولا التوصيف به في زبر الأولين إلا في رسالة عمر بن عبد العزيز في القدر التي مرت بنصها في ما سبق (٢) وقد عرفت أن كتابة الحديث وتدوينه والتحدث به وإفشاءه كان من الأمور المنكرة وهذا هو عمر بن الخطاب قال لأبي ذر وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء : « ما هذا الحديث الذي تفشون عن محمد » ؟ (٣) وكان يقول أيضاً : « جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن
____________________
(١) سورة القلم : الآيتان ٣٥ و ٣٦ .
(٢) قد مر الرسالة في ص ٢٧٠ من هذا الجزء .
(٣) كنز العمال : ج ١٠ ، ص ٢٩٣ ، الحديث ٢٩٤٧٩ .