أما كون أفعال العباد متعلّقة لمشيئته سبحانه فهناك من ينكر ذلك ويقول إن التقدير يختص بما يجري في الكون من حوادث كونية مما يتعلق به تدبيره سبحانه ، وأما أفعال العباد فليست متعلقة بالتقدير والمشيئة بل هي خارجة عن إطارهما والحافز إلى ذاك التخصيص هو التحفظ على الاختيار ونفي الجبر فهذا القول يعترف بالقدر ولكن لا في أفعال العباد بل في غيرها .
يلاحظ عليه أما أولاً : فلأن الظاهر من الآيات أن فعل العباد تتعلق به مشيئة الله وأنه لولا مشيئته سبحانه لما تمكن من الفعل . يقول الراغب : « لولا أن الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله وأن أفعالنا معلقة بها وموقوفة عليها لما أجمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا نحو « ستجدني إن شاء الله من الصابرين » « ستجدني إن شاء الله صابراً » « يأتيكم به الله إن شاء » . « ادخلوا مصر إن شاء الله » . « قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرراً إلا ما شاء الله » . « وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا » . « ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله » (١) .
وهناك آيات أخر لم يذكرها « الراغب » :
١ ـ قوله سبحانه : ( مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) (٢) .
فالإذن هنا بمعنى المشيئة وما ذكر من القطع والإبقاء من باب المثال .
٢ ـ قوله سبحانه : ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (٣) .
٣ ـ قوله سبحانه : ( إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا *
____________________
(١) المفردات : ص ٢٧١ .
(٢) سورة الحشر : الآية ٥ .
(٣) سورة التكوير : الآية ٢٧ ـ ٢٩ .