وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) (١) .
٤ ـ قال سبحانه : ( كَلَّا بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ * كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) (٢) .
وجه الدلالة في الآيات الثلاث واحدة ومفعول الفعل ( وما تشاؤون ) في الآية الأولى هو الاستقامة . معناه وما تشاؤون الاستقامة على الحق إلا أن يشاء الله ذلك كما أن المفعول في الآية الثانية عبارة عن اتخاذ الطريق والمعنى وما تشاؤون اتخاذ الطريق إلى مرضاة الله تعالى إلا أن يشاء الله تعالى كما أن المفعول للفعل ، ( وما يذكرون ) في الآية الثالثة هو القرآن أي وما يذكرون القرآن ولا يتذكّرون به إلّا أن يشاء الله .
إذا عرفت ذلك ففي الآيات الثلاث الأخيرة احتمالان :
الأول : المراد أنكم « لا تشاؤون الاستقامة أو اتخاذ الطريق أو التذكر بالقرآن إلا أن يشاء الله أن يجبركم عليه ويلجئكم إليه ولكنه لا يفعل لأنه يريد منكم أن تؤمنوا اختياراً لتستحقوا الثواب ولا يريد أن يحملكم عليه » واختاره أبو مسلم كما نقله عنه « الطبرسي » وحاصله : « وما تشاؤون واحداً من هذه الأمور إلا أن يشاء الله إجباركم وإلجاءكم إليه فحينئذٍ تشاؤون ولا ينفعكم ذلك والتكليف زائل ولم يشأ الله هذه المشيئة بل شاء أن تختاروا الإيمان لتستحقوا الثواب » (٣) .
وعلى هذا فالآيات خارجة عما نحن فيه أعني كون أفعال البشر على وجه الإطلاق ـ اختيارية كانت أو جبرية ـ متعلقة لمشيئته سبحانه .
الثاني : إن الآية بصدد بيان أن كل فعل من أفعال البشر ومنها الاستقامة واتخاذ الطريق والتذكر لا تتحقق إلا بعد تعلق مشيئته سبحانه بصدورها غير أن
____________________
(١) سورة الإنسان : الآية ٢٩ ـ ٣٠ .
(٢) سورة المدثر : الآية ٥٣ ـ ٥٦ .
(٣) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٣٩ و ٤١٣ و ٤٤٦ .