لتعلق مشيئته شرائط ومعدات منها كون العبد متجرداً عن العناد واللجاج متهيئاً لقبول الصلاح والفلاح موقعاً نفسه في مهب الهداية الإلهية فعند ذلك تتعلق مشيئته بهداية العبد وبما أن الكفار المخاطبين في الآية لم يكونوا واجدين لهذا الشرط لم تتعلق مشيئته باستقامتهم واتخاذ الطريق والاتعاظ بالقرآن .
وليس هذا بكلام غريب وإنه هو المحكم في الآيات الراجعة إلى الهداية فإن له سبحانه هدايتين : هداية عامة تفيض إلى عامة البشر : مؤمنهم وكافرهم وإليه يشير قوله سبحانه : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (١) وهناك هداية خاصة تفيض منه سبحانه إلى من جعل نفسه في مهب الرحمة واستفاد من الهداية الأولى وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : ( وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ) (٢) والظاهر من مجموع الآيات حول المشيئة هو الاحتمال الثاني دون الأول واختاره العلامة الطباطبائي فقال في تفسير آية الدهر :
« الاستثناء من النفي يفيد أن مشيئة العبد متوقفة في وجودها على مشيئته تعالى فلمشيئته تعالى تأثير في فعل العبد من طريق تعلقها بمشيئة العبد وليست متعلقة بفعل العبد مستقلاً وبلا واسطة حتى تستلزم بطلان تأثير إرادة العبد وكون الفعل جبرياً ولا أن العبد مستقل في إرادة ، يفعل ما يشاؤه ، شاء الله أو لم يشأ ، فالفعل اختياري لاستناده إلى اختيار العبد » (٣) .
هذا كله في الصغرى أي كون أفعال العباد متعلقة لمشيئته سبحانه . إنما الكلام في الكبرى وهو أن تعلق المشيئة بفعل العبد لا يستلزم الجبر ، وهذه هي النقطة الحساسة في حل عقدة الجبر مع القول بكون أفعالنا متعلقة لمشيئته .
بيان ذلك أن هناك فرضين :
١ ـ تعلقت مشيئته سبحانه بصدور الفعل من العبد إيجاداً واضطراراً .
٢ ـ تعلقت مشيئته سبحانه بصدوره منه عن إرادة واختيار .
____________________
(١) سورة الإنسان : الآية ٣ .
(٢) الشورى : الآية ١٣ .
(٣) الميزان : ج ٢٠ ص ٢٣٥ ولاحظ ص ٣٣١ .