وعلى هذه الأحاديث نسجت عقيدة أهل الحديث والسلفية ، وقال ابن تيمية محيي طريقتهم في القرن الثامن بعد اندراسها :
إنه سبحانه فوق سماواته على عرشه ، علي على خلقه » (١) .
إن هذه الروايات ونظائرها التي اكتفينا بالقليل منها أوجدت حجاباً غليظاً أمام الحقائق ، فلم يقدر أحد حتى المتحررون من أهل السنة كالشيخ محمد عبده وأتباع منهجه وتلامذة مدرسته على رفض تلك النصوص المخالفة للعقل الذي به عرف سبحانه وصدق نبيه وإعجاز كتابه . حتى التجأ الإمام أحمد ـ لأجل هذه الأحاديث ـ إلى تأويل الآيات الدالة على كونه سبحانه محيطاً بالعالم كله ، أعني قوله سبحانه : ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) (٢) وقال : إن المراد هو إحاطة علمه سبحانه لا معيته وجوداً (٣) .
لم يقتنع أصحاب الحديث بما وصفوا به سبحانه من نسبة التحيز والمكان إليه حتى أثبتوا له الهبوط إلى السماء الدنيا . روى أبو هريرة أن رسول الله قال : « ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فاستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ » (٤) .
بل لم يقتنعوا بهذا وأثبتوا له الضحك . وهذا البخاري روى في حديث : « فلما أصبح غدا إلى رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) فقال : ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما » (٥) .
____________________
(١) مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية ، والعقيدة الواسطية ص ٤٠١ .
(٢) سورة الحديد : الآية ٤ .
(٣) السنة : ص ٣٦ طبع القاهرة .
(٤) صحيح البخاري : ج ٢ ص ٥٣ باب « الدعاء والصلاة من آخر الليل » .
(٥) صحيح البخاري : ج ٥ ص ٣٤ باب ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) من كتاب مناقب الأنصار .