وعلى ذلك فيجب تفسير الشر بشكل يناسب مقام الرب كالجدب والمرض والفقر والخوف . وإطلاق الشر عليها نوع مجاز وتأويل .
إن بعض المتحذلقين في العصر الحاضر لما رأى أن القدر بالمعنى الذي تفيده ظواهر الروايات لا يجتمع مع الاختيار والحرية ويناقض صحة التكليف ، صار بصدد الجمع بينهما فقال : « إنّ للقدر أربع مراتب :
المرتبة الأولى : العلم : علمه الأزلي الأبدي ، فلا يتجدد له علم بعد جهل ولا يلحقه نسيان بعد علم .
المرتبة الثانية : الكتاب : فنؤمن بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة قال سبحانه : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (١) .
المرتبة الثالثة : المشيئة : فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السماوات والأرض لا يكون شيء إلا بمشيئته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
المرتبة الرابعة : الخلق : فنؤمن بأن ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) » (٢) .
وهذه المراتب الأربع شاملة لما يكون من الله نفسه ولما يكون من العباد . فكل ما يقوم به العباد من أقوال أو أفعال أو تروك ، فهي معلومة لله تعالى مكتوبة عنده والله قد شاءها وخلقها . ثم يقول : ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختياراً وقدرة ، بهما يكون الفعل ، والدليل على أن فعل العبد باختياره وقدرته أمور . ثم استدل بآيات تثبت للعبد إتياناً بمشيئته وإعداداً بإرادته مثل قوله سبحانه : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ) (٣) وقوله : ( وَلَوْ
____________________
(١) سورة الحج : الآية ٧٠ .
(٢) سورة الزمر : الآية ٦٢ ـ ٦٣ .
(٣) سورة البقرة : الآية ٢٢٣ .