الإذعان به وبنتائجه ولوازمه وهو كون الإنسان مجبوراً مسيراً فلا محالة يصح الاحتجاج به أيضاً في مقام الاعتذار .
وبالجملة : لا مناص عن اختيار أحد الأمرين : إما الإذعان بالقدر ونتائجه ولوازمه ومنها الاحتجاج على المولى سبحانه في مقام المخالفة ، وإما رفض ذلك الاعتقاد والقول بكون الإنسان مخيراً مختاراً . فالجمع بين الإذعان بالقدر وعدم الاحتجاج به أشبه بالأخذ بالشجرة وإضاعة الثمرة .
ثم إن ابن تيمية قد التجأ في حل العقدة إلى جواب آخر : وهو أن القدر لا يحتج به ، قال : « وليس القدر حجّة لابن آدم ولا عذراً بل القدر يؤمن به ولا يحتج به والمحتج بالقدر فاسد العقل والدين فإن القدر إن كان حجة وعذراً لزم أن لا يلام أحد ولا يعاقب ولا يقتص منه ، وهذا أمر ممتنع في الطبيعة لا يمكن لأحد أن يفعله ، وهو ممتنع طبعاً ، محرم شرعاً ، ولما كان الاحتجاج بالقدر باطلاً في فطرة الخلق وعقولهم لم تذهب إليه أمة من الأمم ولا هو مذهب أحد من العقلاء » (١) .
وكان لابن تيمية أن يتنبه عندئذٍ فيجعل عدم احتجاج العقلاء بالقدر دليلاً على بطلان القدر بالمعنى الذي اختاره وتدين به ، وإلا فلو صح القدر لا يصح أن يقال « لا يحتج به » .
وبالجملة : إما أن يؤمن بالقدر ويحتج به ، وإما أن لا يؤمن به ولا يحتج به .
وهناك أمر آخر ، وهو : أن القائل بالقدر يصرح بوجوب الإيمان بالقدر خيره وشره ، وبما أن القدر فعل الله سبحانه ، فتكون النتيجة كون الخير والشر من أفعاله سبحانه وتقديراته حسب ما سبق به علمه واقتضته حكمته . مع أن صريح الصحاح من الأحاديث خلافه وأن النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) قال : « والشر ليس إليك » (٢) .
____________________
(١) مجموعة الرسائل والمسائل : ج ١ ص ٨٨ ـ ٩١ .
(٢) سنن النسائي : ج ٢ كتاب الصلاة ، أبواب الافتتاح باب « نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة » ص ١٣٠ .