ثور » (١) وهذا يعرب عن أن ديدن الإمام في حياته هو التحفظ والتجنب عن الإفتاء إلا إذا قامت الضرورة أو كان هناك نصوص واضحة في الموضوع وهذا لا يجتمع مع ما نسب إليه الذهبي من أن « الخلال » كتب عنه الكتب التي ذكرها . وهناك تحقيق بارع للشيخ أبي زهرة في كتابه حول حياة ابن حنبل نذكر خلاصة ما جاء فيه :
« إن أحمد لم يصنف كتاباً في الفقه يعد أصلاً يؤخذ منه مذهبه ويعد مرجعه ولم يكتب إلا الحديث وقد ذكر العلماء أن له بعض كتابات في موضوعات فقهية منها المناسك الكبير والمناسك الصغير ورسالة صغيرة في الصلاة كتبها إلى إمام صلى هو وراءه فأساء في صلاته وهذه الكتابات هي أبواب قد توافر فيها الأثر وليس فيها رأي أو قياس أو استنباط فقهي بل اتباع لعمل ، وفهم لنصوص . ورسالته في الصلاة والمناسك الكبير والصغير هي كتب حديث وكتبه التي كتبها كلها في الحديث في الجملة وهي المسند والتاريخ والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر في كتاب الله وفضائل الصحابة والمناسك الكبير والصغير والزهد وله رسائل يبين مذهبه في القرآن والرد على الجهمية والرد على الزنادقة .
وإذا كان أحمد لم يدون في الفقه كتاباً ولم تنشر آراؤه ولم يملها على تلامذته كما كان يفعل أبو حنيفة فإن الاعتماد في نقل فقهه إنما هو على عمل تلاميذه فقط وهنا نجد أن الغبار يثار حول ذلك النقل من نواح متعددة .
إن المروي عن ذلك الإمام الأثري ـ الذي كان يتحفظ في الفتيا فيقيد نفسه بالأثر ويتوقف حيث لا أثر ولا نص شاملاً عاماً ولا يلجأ إلى الرأي إلا حين الضرورة القصوى التي تلجئه إلى الإفتاء ـ كثير جداً والأقوال المروية عنه متضاربة وذلك لا يتفق مع ما عرف عنه من عدم الفتوى إلا فيما يقع من المسائل ولا يفرض الفروض ولا يشقق الفروع ولا يطرد العلل ولقد كان يكثر من قول « لا أدري » فهذه الكثرة لا تتفق مع المعروف منه من الإقلال في الفتيا والمعروف عنه من قول « لا أدري » ومع المشهور عنه من أنه لا يفتي بالرأي إلا للضرورة القصوى .
____________________
(١) تاريخ بغداد : ج ٢ ص ٦٦ .